ونادى نوح ابنه ، الواو لا ترتب .
وهذا النداء كان قبل جري السفينة في قوله : وهي تجري بهم في موج ، وفي إضافته إليه هنا وفي قوله : إن ابني من أهلي ، وندائه دليل على أنه ابنه لصلبه ، وهو قول : ابن مسعود ، وابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك ، وابن جبير ، وميمون بن مهران ، والجمهور ، واسمه كنعان .
وقيل : يام ، وقيل : كان ابن قريب له ودعاه بالبنوّة حناناً منه وتلطفاً .
وقرأ الجمهور : بكسر تنوين نوح ، وقرأ وكيع بن الجراح : بضمه ، أتبع حركته حركة الإعراب في الحاء .
قال أبو حاتم : هي لغة سوء لا تعرف .
وقرأ الجمهور : بوصل هاء الكناية بواو ، وقرأ ابن عباس : أنه بسكون الهاء ، قال ابن عطية وأبو الفضل الرازي : وهذا على لغة الازد الشراة ، يسكنون هاء الكناية من المذكر ، ومنه قول الشاعر :
وذكر غيره أنها لغة لبني كلاب وعقيل ، ومن النحويين من يخص هذا السكون بالضرورة وينشدون :
وأشرب الماء ما بي نحوه عطش *** إلا لأن عيونه سيل واديها
وقرأ السدّيّ ابناه بألف وهاء السكت .
قال أبو الفتح : ذلك على النداء .
وذهبت فرقة إلى أنه على الندبة والرثاء .
وقرأ عليّ ، وعروة ، وعليّ بن الحسين ، وابنه أبو جعفر ، وابنه جعفر : ابنه بفتح الهاء من غير ألف أي : ابنها مضافاً لضمير امرأته ، فاكتفى بالفتحة عن الألف .
قال ابن عطية : وهي لغة ، ومنه قول الشاعر :
إما تقود بها شاة فتأكلها *** أو أن تبيعه في بعض الأراكيب
فلست بمدرك ما فات مني *** بلهف ولا بليت ولا لواني
يريد تبيعها وتلهفاً ، وخطأ النحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف ، قال ابن عطية : وليس كما قال انتهى .
وهذا أعنى مثل تلهف بحذف الألف عند أصحابنا ضرورة ، ولذلك لا يجيزون يا غلام بحذف الألف ، والاجتزاء بالفتحة عنها كما اجتزؤوا بالكسرة في يا غلام عن الياء ، وأجاز ذلك الأخفش .
وقرأ أيضاً عليّ وعروة ابنها بفتح الهاء وألف أي : ابن امرأته .
وكونه ليس ابنه لصلبه ، وإنما كان ابن امرأته قول : علي ، والحسن ، وابن سيرين ، وعبيد بن عمير .
وكان الحسن يحلف أنه ليس ابنه لصلبه ، قال قتادة : فقلت له : إن الله حكى عنه أن ابني من أهلي ، وأنت تقول : لم يكن ابنه ، وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه فقال : ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب ؟ واستدل بقوله من أهلي ولم يقل مني ، فعلى هذا يكون ربيباً .
وكان عكرمة ، والضحاك ، يحلفان على أنه ابنه ، ولا يتوهم أنه كان لغير رشدة ، لأن ذلك غضاضة عصمت منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وروي ذلك عن الحسن وابن جريج ، ولعله لا يصح عنها .
وقال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، والذي يدل عليه ظاهر الآية أنه ابنه ، وأما قراءة من قرأ ابنه أو ابنها فشاذة ، ويمكن أن نسب إلى أمه وأضيف إليها ، ولم يضف إلى أبيه لأنه كان كافراً مثلها ، يلحظ فيه هذا المعنى ولم يضف إليه استبعاداً له ، ورعياً أن لا يضاف إليه كافر ، وإنما ناداه ظناً منه أنه مؤمن ، ولولا ذلك ما أحب نجاته .
أو ظناً منه أنه يؤمن إنْ كان كافراً لما شاهد من الأهوال العظيمة ، وأنه يقبل الإيمان .
ويكون قوله : اركب معنا كالدلالة على أنه طلب منه الإيمان ، وتأكد بقوله : ولا تكن مع الكافرين ، أي اركب مع المؤمنين ، إذ لا يركب معهم إلا مؤمن لقوله : ومن آمن .
وفي معزل أي : في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين .
وقيل : في معزل عن دين أبيه ، ونداؤه بالتصغير خطاب تحنن ورأفة ، والمعنى : اركب معنا في السفينة فتنجو ولا تكن مع الكافرين فتهلك .
وقرأ عاصم يا بني بفتح الياء ، ووجه على أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف ، وأصله يا بنيا كقولك : يا غلاماً ، كما اجتزأ باقي السبعة بالكسرة عن الياء في قراءتهم يا بني بكسر الياء ، أو أن الألف انحذفت لالتقائها مع راء اركب .
وظن ابن نوح أن ذلك المطر والتفجير على العادة ، فلذلك قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء أي : من وصول الماء إليّ فلا أغرق ، وهذا يدل على عادته في الكفر ، وعدم وثوقه بأبيه فيما أخبر به .
قيل : والجبل الذي عناه طور زيتا فلم يمنعه ، والظاهر إبقاء عاصم على حقيقته وأنه نفي كل عاصم من أمر الله في ذلك الوقت ، وأنّ من رحم يقع فيه من على المعصوم .
والضمير الفاعل يعود على الله تعالى ، وضمير الموصول محذوف ، ويكون الاستثناء منقطعاً أي : لكنْ من رحمة الله معصوم ، وجوزوا أن يكون من الله تعالى أي لا عاصم إلا الراحم ، وأن يكون عاصم بمعنى ذي عصمة ، كما قالوا لابن أي : ذو لبن ، وذو عصمة ، مطلق على عاصم وعلى معصوم ، والمراد به هنا المعصوم .
أو فاعل بمعنى مفعول ، فيكون عاصم بمعنى معصوم ، كماء دافق بمعنى مدفوق .
بطيء الكلام رخيم الكلام *** أمسى فؤادي به فاتنا
ومن للمعصوم أي : لا ذا عصمة ، أو لا معصوم إلا المرحوم .
وعلى هذين التجويزين يكون استثناء متصلاً ، وجعله الزمخشري متصلاً بطريق أخرى : وهو حذف مضاف وقدره : لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد ، وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم ، يعني في السفينة انتهى .
والظاهر أن خبر لا عاصم محذوف ، لأنه إذا علم كهذا الموضع التزم حذفه بنو تميم ، وكثر حذفه عند أهل الحجاز ، لأنه لما قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال له نوح : لا عاصم ، أي لا عاصم موجود .
ويكون اليوم منصوباً على إضمار فعل يدل عليه عاصم ، أي : لا عاصم يعصم اليوم من أمر الله ، ومن أمر متعلق بذلك الفعل المحذوف .
ولا يجوز أن يكون اليوم منصوباً بقوله : لا عاصم ، ولا أن يكون من أمر الله متعلقاً به ، لأن اسم لا إذ ذاك كان يكون مطولاً ، وإذا كان مطولاً لزم تنوينه وإعرابه ، ولا يبنى وهو مبنى ، فبطل ذلك .
وأجاز الحوفي وابن عطية أن يكون اليوم خبراً لقوله : لا عاصم .
قال الحوفي : ويجوز أن يكون اليوم خبراً ويتعلق بمعنى الاستقرار ، وتكون من متعلقة بما تعلق به اليوم .
وقال ابن عطية : واليوم ظرف وهو متعلق بقوله : من أمر الله ، أو بالخبر الذي تقديره : كائن اليوم انتهى .
وردّ ذلك أبو البقاء فقال : فأما خبر لا فلا يجوز أن يكون اليوم ، لأن ظرف الزمان لا يكون خبراً عن الجثة ، بل الخبر من أمر الله ، واليوم معمول من أمر الله .
وقال الحوفي : ويجوز أن يكون اليوم نعتاً لعاصم ومن الخبر انتهى .
ويردّ بما ردّ به أبو البقاء من أن ظرف الزمان لا يكون نعتاً للجثث ، كما لا يكون خبراً .
وقرىء إلا من رحم بضم الراء مبنياً للمفعول ، وهذا يدل على أنّ المراد بمن في قراءة الجمهور الذين فتحوا الراء هو المرحوم لا الراحم ، وحال بينهما أي بين نوح وابنه .
قيل : كانا يتراجعان الكلام ، فما استتمت المراجعة حتى جاءت موجة عظيمة ، وكان راكباً على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمته وفرسه ، وحيل بينه وبين نوح فغرق .
وقال الفراء : بينهما أي بين ابن نوح والجبل الذي ظن أنه يعصمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.