تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (133)

يقول تعالى محتجًّا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل ، وعلى الكفار من بني إسرائيل - وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم{[2840]} السلام - بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له ، فقال لهم : { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } وهذا من باب التغليب لأن إسماعيل عمه .

قال النحاس : والعرب تسمي العم أبًا ، نقله القرطبي ، وقد استدل بهذه الآية من جعل الجد أبًا وحجب به الإخوة ، كما هو قول الصديق - حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير ، ثم قال البخاري : ولم يختلف عليه ، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين ، وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء ، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من علماء السلف والخلف ؛ وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه يقاسم الإخوة ؛ وحكى مالك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف ، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي : أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، ولتقريرها موضع آخر .

وقوله : { إِلَهًا وَاحِدًا } أي : نُوَحِّدُه بالألوهية ، ولا نشرك به شيئا غيره { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي : مطيعون خاضعون كما قال تعالى : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ وسلم } [ آل عمران : 83 ] والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوّعت شرائعهم واختلفت مناهجهم ، كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] . والآيات في هذا كثيرة والأحاديث ، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن مَعْشَرَ الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد " {[2841]} .


[2840]:في ط: "عليه".
[2841]:صحيح البخاري برقم (3443) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأولاد العلات: هم الأخوة من الأب وأمهاتهم شتى.