ولما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه بالغ في وصية بنيه بالدين والإسلام ، ذكر عقيبه أن يعقوب وصى بنيه بمثل ذلك تأكيدا للحجة على اليهود والنصارى ومبالغة في البيان بقوله : { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون 133 } .
{ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت } أي ما كنتم حاضرين حينئذ ، ف " أم " منقطعة مقدّرة ب " بل " والهمزة ، وفي الهمزة الإنكار المفيد للتقريع والتوبيخ . والشهداء جمع شهيد أو شاهد بمعنى الحاضر ، وحضور الموت حضور مقدماته { إذ قال } أي يعقوب { لبنيه } وهم{[765]} : رَأُوبَيْن ، وشِمْعُون ، ولاَوِي ، ويَهُوذَا ، ويَسَّاَكر ، وزَبُولُون ، ويُوسُف ، وبَنْيَامِينُ ، ودَانُ ، ونَفْتَالِي ، وجَادُ ، وأَشِيرُ ، وهم الأسباط الآتي ذكرهم { ما تعبدون من بعدي } أي أيّ شيء تعبدونه بعد موتي ، وأراد بسؤاله تقريرهم على التوحيد والإسلام ، وأخذ ميثاقهم على الثبات عليهما { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } عطف بيان لآبائك . وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه . لأن العم أب والخالة أم ، لانخراطهما في سلك واحد ، وهو الأخوّة ، لا تفاوت بينهما . ومنه حديث الترمذيّ عن عليّ كرّم الله وجهه ، رفعه{[766]} ( عم الرجل صنو أبيه ) أي لا تفاوت بينهما ، كما لا تفاوت بين صنوي النخلة . وفي ( الصحيحين ) عن البراء ، رفعه{[767]} ( الخالة بمنزلة الأم ) ؛ وروى ابن سعد عن محمد بن علي مرسلا ( الخالة والدة ) . { إلها واحدا } بدل من إله آبائك ، كقوله تعالى : { بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة } {[768]} أو على الاختصاص ، أي نريد بإله آبائك إلها واحدا ، وفي ذلك تحقيق للبراءة من الشرك ، للتصريح بالتوحيد . ثم أخبروا بعد توحيدهم بإخلاصهم في عبادتهم ، بقولهم : { ونحن له } أي وحده لا لأب ولا غيره { مسلمون } أي مطيعون خاضعون ، كما قال تعالى : { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } {[769]} والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوعت شرائعهم ، واختلفت مناهجهم ، كما قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } {[770]} ، والآيات في هذا كثيرة ، والأحاديث . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم{[771]} : ( نحن معاشر الأنبياء أولاد علاتٍ ، ديننا واحد ) وقد اشتمل نبأ وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام لبنيهما على دقائق مرغبة في الدين . منها أنه تعالى لم يقل : ( وأمر إبراهيم بنيه ) بل قال : ( وصاهم ) ولفظ الوصية أوكد من الأمر ، لأن الوصية عند الخوف من الموت ، وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتم ، فدل على الاهتمام بالوصي به ، والتمسك به . ومنها تخصيص بينهما بذلك ، وذلك لأن شفقة الرجل على أبنائه أكثر من شفقته على غيرهم ، فلما خصَّاهُم بذلك في آخر عمرهما علمنا أن اهتمامهما / بذلك كان أشد من اهتمامهما بغيره . ومنها أنهما ، عليهما السلام ، ما مزجا بهذه الوصية وصية أخرى . وهذا يدل على شدة الاهتمام أيضا . إلى دقائق أخرى أشار إليها الفخر ، عليه الرحمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.