فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (133)

{ شهداء } حضورا تشاهدون .

{ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون } { أم } قد تكون للاستفهام دخلت على أم التي للإضراب بمعنى بل وقد تكون للاستفهام كما تفعل العرب في كل استفهام ابتدأته بعد كلام قد سبقه وقد جاء في الكتاب العزيز { آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه . . . }{[486]} ؛ -وقيل الخطاب للمؤمنين ومعنى بل الإضراب عن الكلام الأول والأخذ فيما هو الأهم وهو التحريض على اتباعه صلى الله عليه وسلم بإثبات بعض معجزاته وهو الإخبار عن أحوال الأنبياء السابقين من غير سماع من أحد ولا قراءة من كتاب ، كأنه تعالى بعد ذكر ما تقدم التفت إلى مؤمني الأمة أما شهدتم ما جرى ؟ وأما علمتهم ذلك بالوحي وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فعليكم باتباعه . . . -{[487]} ؛ وقيل الاستفهام هنا للإلزام والتبكيت وتوبيخ اليهود على ادعائهم يهودية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام [ وتأويل الكلام أكنتم يا معشر اليهود والنصارى المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم الجاحدين نبوته حضور يعقوب وشهوده إذ حضره الموت أي إنكم لم تحضروا ذلك فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل وتنحلوهم اليهودية والنصرانية فإني ابتعثت خليلي إبراهيم وولده إسحق وإسماعيل وذريتهم بالحنفية المسلمة وبذلك وصوا بنيهم وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم فلو حضرتموهم فسمعتم منهم علمتم أنهم على غير ما تنحلوهم من الأديان والملل من بعدهم ]{[488]} . و{ شهداء } جمع شاهد بمعنى حاضر { إذ حضر يعقوب الموت } العامل في { إذ } {[489]} معنى الشهادة وحضور الموت أي : مجيء أسبابه وحلول مقدماته – وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا وعبر عن المعبود ب { ما } ولم يقل من لأنه أراد أن يختبرهم . . { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق } في موضع خفض على البدل ولم تنصرف لأنها أعجمية . . . وسمى الله كل واحد من العم والجد أبا{[490]}{ إلها واحدا } بدلا من { إلهك وإله آبائك }والنكرة تبدل من المعرفة ما دامت قد وصفت يقول المفسرون وفائدة الإبدال دفع توهم التعدد الناشئ من ذكر الإله مرتين أو نصب على المدح { ونحن له مسلمون } أي داخلون في الإسلام ثابتون عليه أو مذعنون مقرون بالعبودية .


[486]:من سورة السجدة الآيتان 1.2 ومن الآية 3.
[487]:ما بين العارضتين من روح المعاني.
[488]:ما بين العلامتين مما أورد صاحب جامع البيان في تفسير القرآن
[489]:هذه {إذ} الأولى والثانية {إذ قال} وهي بدل من الأولى.
[490]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.