الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (133)

ثم قال : " عز وجل( {[4253]} ) ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ ) [ 132 ] .

( أَمْ ) بمعنى الألف ، أي : أكنتم حاضرين( {[4254]} ) يا معشر اليهود والنصارى المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم/ إذ نزل بيعقوب( {[4255]} ) الموت حين قال لبنيه : ما تعبدون من بعد موتي ؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وهو جده( {[4256]} ) –وإسماعيل( {[4257]} )- وهو عمه( {[4258]} ) –وإسحاق-وهو أبوه- صلوات اله عليهم [ و ]( {[4259]} ) على محمد( {[4260]} ) .

وقدم( {[4261]} ) إسماعيل لأنه أكبر من إسحاق( {[4262]} ) .

( إِلَهاً وَاحِداً ) ؛ أي : معبوداً واحداً ، لا نشرك( {[4263]} ) به شيئاً .

( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) : أي : خاضعون متذللون بالعبادة له .

وروي أنه لم يقبض الله نبياً قط حتى يخيّره بين الموت والحياة ، فلما خيّر( {[4264]} ) يعقوب عليه السلام قال : أنظرني( {[4265]} )/حتى أسأل ولدي ، وأوصيهم ففعل الله ذلك . فجمع يعقوب ولده وهم إثنا عشر –وهم الأسباط- ، وجمع أولادهم فقال لهم : إنه( {[4266]} ) قد حضرتْ وفاتي ، وأنا أريد أن أسألكم وأوصيكم : فما تعبدون من بعدي ؟ فأجابوه بما حكى الله تعالى عنهم ، فدعا لهم ثم قبضه الله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وعلى( {[4267]} ) محمد( {[4268]} ) .

فمعنى الكلام : إنكم يا أهل الكتابين( {[4269]} ) لم تحضروا ذلك –ولا شاهدتموه فكفرتم بغير علم ولا يقين فادَّعَيْتُمْ على أنبياء الله الأباطيل ونحلتموهم إلى اليهودية والنصرانية ، وإنما بعثهم الله [ بالحنيفية المسلمة ، وبذلك وصّوا بنيهم( {[4270]} ) ] فلو حضرتم ذلك وسمعتموه لعلمتم أنهم على غير ما تنحلونهم من الدين .

وهذه الآيات( {[4271]} ) نزلت تكذيباً من الله لليهود والنصارى في دعواهم إبراهيم/ ويعقوب أنهما كانا( {[4272]} ) على ملتهم .

وقرأ يحيى بن يعمر( {[4273]} ) والحسن وأبو رجاء( {[4274]} ) والجحذري( {[4275]} ) " وإله أبيك " بلفظ التوحيد( {[4276]} ) . فيحتمل أن يكون جمعاً مسلماً ، فيكون كالقراءة التي عليها الجماعة . ويحتمل أن يكون موحداً وإبراهيم بدل( {[4277]} ) منه وإسماعيل وإسحاق عطف على الأب وهما في القول الأول بدل الجمع الذي قبلهما .

وجمع " إبراهيم " و " إسماعيل " عند سيبويه والخليل : " بَرَاهيمُ " و " سَمَاعِيلُ( {[4278]} ) " ( {[4279]} ) .

وحكى الكوفيون " بَرَاهِمَةُ " و " سَمَاعِلَةٌ " ، فالهاء بدل من الياء كزنادقة وزناديق( {[4280]} ) .

وجمعهما( {[4281]} ) عند المبرد : " أَبَارِهٌ " و " أَسَامِعٌ " و " أَبَارِيهٌ " و " أَسَامِيعٌ " . قال : لأن الهمزة ليس هذا موضوع زيادتها( {[4282]} ) .

وأجاز( {[4283]} ) أحمد بن يحيى : " بِرَاهٌ " / كما يجوز( {[4284]} ) في التصغير " بُرَيْهٌ " ( {[4285]} ) .

وجمع إسحاق أَسَاحِيقٌ . وحكى الكوفيون أَسَاحِقَةٌ وأَسَاحِيقٌ وَيَعْقُوبٌ وَيَعَاقِيبٌ ، وَيَعَاقِبَةٌ وَيَعَاقِبٌ " ( {[4286]} ) .

ولا يجوز عند أحد حذف الهمزة من " إسرائيل " ، ويقال( {[4287]} ) في جمعه : " أساريل " ( {[4288]} ) .

وحكى الكوفيون " أَسَارِلَةٌ " و " أَسَارِلٌ " ، وجمعه كله مسلماً أحسن( {[4289]} ) .

وقوله : ( إِلَهاً وَاحِداً ) [ 132 ] .

نصب على الحال أو على البدل من " إله " الأول . فإذا كان حالاً كان تقديره :

نعب إلهك في حال انفراده ووحدانيته( {[4290]} ) .

وأجاز( {[4291]} ) يعقوب( {[4292]} ) الوقف على ( ابَائِكَ ) ويبتدئ : ( إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ) ، ينصب ذلك على إضمار فعل( {[4293]} ) .

ومن قرأ ( أَبِيكَ ) بالتوحيد وقف على ( إِسْحَاقَ ) .


[4253]:- سقط قوله "عز وجل" من ع3.
[4254]:- في ع2: حاضر. وهو خطأ.
[4255]:- في ع2، ع3: يعقوب.
[4256]:- في ع2: وهو.
[4257]:- سقط حرف الواو من ع3.
[4258]:- في ع2: عنه. وهو تحريف.
[4259]:- سقط من ع1، ح.
[4260]:- في ع2: سيدنا ونبينا ومولانا. وفي ع3: سيدنا ومولانا.
[4261]:- في ع3: قد تقدم.
[4262]:- انظر: جامع البيان 3/99، والدر المنثور 1/336.
[4263]:- في ع2، ع3: شريك. وهو تحريف.
[4264]:- سقط من ع2.
[4265]:- في ع3: انظروني.
[4266]:- في ع2، ع3: إني.
[4267]:- في ع2، ع3: على سيدنا.
[4268]:- انظر: المحرر الوجيز 1/365، وتفسير القرطبي 2/137.
[4269]:- في ع3: الكتابيين.
[4270]:- في ع3: الحنفية المسلمة وبذلك وصى نبيهم.
[4271]:- في ع3: الآية.
[4272]:- في ق: كان.
[4273]:- هو يحيى بن يعمر القيسي البصري، فقيه، حافظ. روى عن أبي ذر، وأبي هريرة وغيرهما. وروى عنه عكرمة وقتادة. (ت90هـ). انظر: طبقات ابن خياط 203، وتذكرة الحفاظ 75-76، والخلاصة 3/164-165.
[4274]:- في ق: رخا. وفي ع3: أرجاء، وكلاهما تحريف. وهو عمران بن تميم، ويقال ابن ملحان، أبو رجاء العطاردي البصري تابعي كبير. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. عرض القرآن على ابن عباس، وحدث عن عمر وغيره من الصحابة (ت105هـ). انظر: طبقات ابن خياط 196، وتذكرة الحفاظ 66، وتقريب التهذيب 2/422، وطبقات القراء 1/604، والخلاصة 2/303.
[4275]:- في ق: الحجدري. وهو عاصم بن أبي الصباح العجاج الجحذري البصري، قرأ على الحسن ويحيى بن يعمر، وقرأ عليه هارون الأعور، أبو المنذر سلام بن سليمان (ت128هـ). انظر: طبقات ابن خياط ص214، وطبقات القراء 1/349.
[4276]:- وهي قراءة شاذة مخالفة لقراءة الجمهور. انظر: المحتسب 1/112، والإملاء 1/65.
[4277]:- في ع1، ق، ع3: بدلاً.
[4278]:- في ع3: إسماعيل: وهو تحريف.
[4279]:- انظر: إعراب القرآن 1/217، ومشكل الإعراب 1/112، وتفسير القرطبي 2/141.
[4280]:- انظر: إعراب القرآن 1/217.
[4281]:- في ع1، ع2، ع3: جمعها.
[4282]:- انظر: إعراب القرآن 1/217، ومشكل الإعراب 1/112، وتفسير القرطبي 2/141.
[4283]:- في ع2، ع3: فأجاز.
[4284]:- في ع2، ع3: يجيز.
[4285]:- انظر: إعراب القرآن 1/217، وتفسير القرطبي 2/141، وقوله: "وأساميع..بريه" ساقط من ع2.
[4286]:- انظر: المصدرين السابقين.
[4287]:- في ع2: يقول.
[4288]:- انظر: إعراب القرآن 1/217، وتفسير القرطبي 2/141.
[4289]:- المصدر السابق.
[4290]:- انظر: هذا التوجيه في البيان 1/124، والمحرر الوجيز 1/366، وتفسير القرطبي 2/138.
[4291]:- في ع1، ح: قال.
[4292]:- هو يعقوب بن إسحاق بن يزيد أبو محمد الحضرمي البصري أحد القراء العشرة وإمام أهل البصرة ومقرئهم. سمع الحروف من الكسائي وحمزة (ت205هـ). انظر: طبقات القراء 2/386-389، والخلاصة 3/181.
[4293]:- انظر: كتاب القطع والإئتناف 164، والإيضاح في الوقف 1/533.