الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (133)

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء } هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار . والشهداء جمع شهيد ، بمعنى الحاضر : أي ما كنتم حاضرين يعقوب عليه السلام إذ حضره الموت ، أي حين احتضر والخطاب للمؤمنين بمعنى : ما شاهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي . وقيل : الخطاب لليهود ، لأنهم كانوا يقولون : ما مات نبيٌ إلا على اليهودية ، إلا أنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه ، لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام ، ولما ادعوا عليه اليهودية . فالآية منافية لقولهم ، فكيف يقال لهم : ( أم كنتم شهداء ) ؟ ولكن الوجه أن تكون أم متصلة على أن يقدر قبلها محذوف ، كأنه قيل : أتدّعون على الأنبياء اليهودية ؟ { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت } يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام ، وقد علمتم ذلك ، فما لكم تدّعون على الأنبياء ما هم منه برآء ؟ وقرىء «حَضِرَ » بكسر الضاد وهي لغة . { مَا تَعْبُدُونَ } أي شيء تعبدون ؟ و { مَا } عامّ في كل شيء فإذا علم فرق بما ومن ، وكفاك دليلاً قول العلماء ( من ) لما يعقل . ولو قيل : من تعبدون ، لم يعم إلا أولي العلم وحدهم . ويجوز أن يقال : { مَا تَعْبُدُونَ } سؤال عن صفة المعبود . كما تقول : ما زيد ؟ تريد : أفقيه أم طبيب أم غير ذلك من الصفات ؟ و { إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } عطف بيان لآبائك . وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه ، لأنّ العمّ أب والخالة أمّ ، لانخراطهما في سلك واحد وهو الأخوة لا تفاوت بينهما . ومنه قوله عليهالصلاة و السلام : " عمّ الرجل صنو أبيه " أي لا تفاوت بينهما كما لا تفاوت بين صنوي النخلة . وقال عليه الصلاة والسلام في العباس : " هذا بقية آبائي " وقال : " ردّوا عليّ أبي ، فإني أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود " وقرأ أبيّ : و«إله إبراهيم » ، بطرح آبائك . وقرىء : «أبيك » . وفيه وجهان : أن يكون واحداً وإبراهيم وحده عطف بيان له ، وأن يكون جمعاً بالواو والنون . قال :

وَفَدَّيْنَنَا بالأَبِينَا ***

{ إلها واحدا } بدل من إله آبائك ، كقوله تعالى : { بالناصية نَاصِيَةٍ كاذبة } [ العلق : 15 16 ] أو على الاختصاص ، أي نريد بإله آبائك إلها واحداً { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } حال من فاعل نعبد ، أو من مفعوله ، لرجوع الهاء إليه في له . ويجوز أن تكون جملة معطوفة على نعبد ، وأن تكون جملة اعتراضية مؤكدة ، أي ومن حالنا أنا له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون .