تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الدار الآخرة ، حيث جعلوا [ له ]{[3037]} أندادًا ، أي : أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه ، وهو الله لا إله إلا هو ، ولا ضد له ولا ندَّ له ، ولا شريك معه . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندًا وهو خلَقَك " {[3038]} .

وقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } ولحبهم لله وتمام معرفتهم به ، وتوقيرهم وتوحيدهم له ، لا يشركون به شيئًا ، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ، ويلجؤون في جميع أمورهم إليه . ثم تَوَعَّدَ تعالى المشركين به ، الظالمين لأنفسهم بذلك فقال : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } .

قال بعضهم : تقدير الكلام : لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعًا ، أي : إن الحكم له{[3039]} وحده لا شريك له ، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه { وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } كما قال : { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 ، 26 ] يقول : لو علموا ما يعاينونه{[3040]} هنالك ، وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم ، لانتهوا عما هم فيه من الضلال .


[3037]:زيادة من جـ.
[3038]:صحيح البخاري برقم (4477) وصحيح مسلم برقم (68).
[3039]:في جـ، ط: "إن الحكم لله".
[3040]:في جـ: "ما يعاينوه".