جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً } : أصناماً جعلوا له أمثالاً يعبدونهم ، { يُحِبُّونَهُمْ {[264]} حال البلاء ، قال تعالى : " فإذا ركبوا في الفلك " {[265]} ، { وَلَوْ يَرَى } : لو يعلم ، { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، باتخاذ الأنداد ، { إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ } : عاينوه يوم القيامة ، { أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } ، ساد مسد مفعولي يرى ، وجواب لو محذوف ، أي {[266]} : لو يعلمون أن القدرة لله جميعا لا قدرة لأندادهم ، إذ يرون العذاب ، أي : يوم القيامة ، لندموا أشد الندامة ، ومن قرأ ولو ترى بالتاء ، فالذين ظلموا مفعوله من رؤية البصر ، وإذ يرون العذاب بدل من الذين ، وأن القوة بدل اشتمال من العذاب ، وجواب لو محذوف أيضا أي لرأيت أمرا فظيعا .


[264]:قال العلامة ابن القيم رحمه الله في شرح المنازل في باب التوبة: أما الشرك فهو نوعان أكبر وأصغر فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة وهو أن يتخذ من دون الله تعالى ندا يحبه كما يحب الله تعالى، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، ولذا قالوا لآلهتهم في النار: "تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين" [الشعراء: 98-97] مع إقرارهم بأن الله تعالى وحده خالق كل شيء ومليكه وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تميت ولا تحيي وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم بل كلهم يحبون معبوديهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله تعالى ؛ وكثير منهم بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله تعالى ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله تعالى، ويغضبون بتنقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم ما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين، وإذا انتقصت حرمات آلهتهم ومعبوديهم غضبوا غضب الليث أو الكلب، وإذا انتهكت حرمات الله تعالى لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه ولم تنكر له قلوبهم قد شاهدنا نحن وغيرنا هذا منهم جهرة انتهى. وقال الإمام تقي الدين أحمد بن علي المقريزي رحمه الله: ومن أجل الشرك وأصله الشرك في محبة الله قال تعالى: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله" فأخبر سبحانه أنه من أحب مع الله شيئا غيره كما يحبه فقد اتخذ ندا من دونه، وهذا على أصح القولين في الآية، أنهم يحبونهم كما يحبون الله وهذا هو العدل المذكور في قوله تعالى: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" [الأنعام: 1] والمعنى: على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره في العبادة فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم "تاالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين" [الشعراء: 97-98] ومعلوم قطعا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرين بأن الله تعالى وحده هو ربهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله تعالى وحده، وأنه رب السماوات ورب العرش العظيم، وأنه هو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله تعالى في المحبة، والعبادة فمن أحب غير الله تعالى وخافه ورجاه وذلك له كما يحب الله تعالى ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله تعالى، فكيف بمن كان غير الله تعالى أتم عنده وأحب إليه وأخوف عنده وهو في مرضاته أشد سعيا منه في مرضات الله؟، فإذا كان المسوى بين الله وبين غيره في ذلك مشركا فما الظن بهذا؟ فعياذا بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام كانسلاخ الحية من قشرها هو يظن أنه مسلم موحد - انتهى] كَحُبِّ اللّهِ}: يعظمونهم كتعظيمه، أي: يسوون بينه وبينهم في الطاعة، أو يحبونهم كحب المؤمنين الله، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ}، لأنه لا تنقطع محبتهم عن الله عز وجل بحال، أما المشركون إذ اتخذوا صنما ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول، وأيضا يعرضون عن معبودهم [نقله محي السنة عن قتادة/12
[265]:العنكبوت: 65
[266]:في أيام حياتهم/12 منه