تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ} (165)

الآية 165 وقوله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) قيل فيه بوجوه : قيل ( يتخذ ) : يعبد ( من دون الله أندادا ) ، وقيل : ( يتخذ من دون الله أندادا ) في التسمية ، يعني{[1908]} : يتخذ الجواهر التي تصاغ ، أو تنحت ، ونحو ذلك مما يتعلق كونهم بصنيعهم ؛ يسفههم بهذا : أنهم تركوا عبادة من به قامت لهم كل نعمة ، وسلم لهم كل خير ، وعبدوا ما اتخذوه بالمعالجات ، [ ولا قوة إلا بالله ]{[1909]} .

{[1910]}[ [ وقوله : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) أي أشباها في التسمية أو أعدالا في العبادة ، أو شركاء في الحقوق بقوله : ( هذا لله بزعمهم ) الآية{[1911]} [ الأنعام : 136 ] ؛ يسفههم بما عبدوا ما قد صنعوه بالصناعة أو النحت ، وزينوا بأنواع الزينة ، وأعرضوا بذلك عن عبادة من عرفوه بشهادة جميع العالم بهم ، [ وعلموا أنه لا يملك شيئا مما عبدوه ضرا ولا نفعا ]{[1912]} ، بل لو كان{[1913]} يجوز العبادة لغير الله لكان أولئك الذين اتخذوا أولى من المتخذين .

ثم بين عظم سفههم ، [ وهو ]{[1914]} علمهم بجهلهم بعبادتهم وعجزها عن الدفع عنها ونصرها{[1915]} والدفع عنها سفها بغير علم .

وقوله : ( يحبونهم كحب الله ) ؛ قيل : يحبون عبادة الأنداد وطاعتهم [ كحبهم عبادة ]{[1916]} الله وطاعته لأنهم يقولون : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [ الزمر : 3 ] ، ويقولون : ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) [ يونس : 18 ] ، وقيل : يحبون عبادة الأنداد كحب المؤمنين عبادة ربهم . وقيل : يحبون آلهتهم كما يحب الذين آمنوا ربهم .

ثم قال : ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) منهم لآلهتهم : قيل : ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) أي أشد حبا لأجل الله ، وقيل : ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) أي أشد اختيارا لطاعته وأكثر ائتمارا وإعظاما وإجلالا لأمره من إعظامهم وإجلالهم آلهتهم ، والله أعلم ، [ وقيل ]{[1917]} ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) أي لعبادته منهم لعبادة الأوثان من حيث لا يؤثر المؤمن على عبادة الله ، أعني في الاختيار لا فيما يوجد من ظاهر الأحوال في الدارين جميعا ، وهم يتركون عبادة الأوثان بوجود ما هو أعجب منها أو بأدنى شيء من متاع الدنيا .

ثم المحبة ، محبة الشهوة والميل إليها ، وهو في الخلق ، لا يحتمل في الله ، ومحبته الطاعة وإيثار الأمر والإعظام ، فهو في الله يحتمل .

وبعد فإن الحب يخرج على الثناء وعلى العبادة والطاعة وعلى التبجيل والتعظيم . وقد يخرج على ميل القلوب . فحب الكفرة هذا ، وهو حب الجسداني به الذي يولده الشهوة ، أو يستحسنه البصر . وحب الله من المؤمنين من هذين الوجهين فاسد ، بل هو من الوجوه الذي ذكرنا . وقد كان حب الهيبة والرغبة ، وماله من السلطان الهيبة . فذلك طريق حب المؤمنين مع ما ظهر من أياديه التي لا تحصى وأفضاله التي لا تحاط ، والعلم بهما موجب{[1918]} تعظيم الأمور والمبادرة بالقيام بها مع الأدلة المظهرة تعاليه عن تقدير العقول وتصوير الأوهام ، فيكون حبه في الحقيقة في تعظيم أموره وحسن صحبة نعمه ومعرفة حقوقه ، لا في توهم ذاته وإشعار القلب ما يعقله ليرجع المحبة إلى ذلك ، بل هو ما ذكرت . ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : ( إن كنتم تحبون الله فاتبعون ) [ آل عمران : 31 ] وهو من أحب آخر محبة الجلال والرفعة عظم رسوله صلى الله عليه وسلم وانقاد لما يدعوه إليه ، وإن كان في ذلك هلاكه تعظيما{[1919]} لأمره وتبجيلا ، فكيف فيما فيه نجاته وفوزه في الدارين ؟ والله الموفق ] ]{[1920]} .

وقوله : ( ولو يرى الذين ظلموا ) قرئ بالياء والتاء{[1921]} جميعا ؛ ومن قرأ بالتاء جعل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ولو ) ترى ( الذين ظلموا ) يا محمد شهدوا لك ( أن القوة لله جميعا ) ، ومن قرآ بالياء : يقول : ( ولو يرى الذين ظلموا ) في الدنيا إذا رأوا العذاب يعلمون ( أن القوة لله جميعا ) .

[ ويحتمل لو علم الذين ظلموا إذا علموا عذاب الآخرة يعلمون ( أن القوة لله جميعا ){[1922]} ، ويحتمل المراد من قوله : ( يرى ) أي يدخل كقوله : ( وبرزت الجحيم لمن يرى ) [ النازعات : 36 ] أي لمن يدخلها ، ويصليها .


[1908]:- في النسخ الثلاث: ومعنى.
[1909]:- من الأصل و م: ساقطة ساقطة من ط ع
[1910]:- أدرج تفسير هذه الآية في الأصل و مرتين: الأولى في الأصل في ص: 23 أ س 7- 21، وفي م ص: 23 و س 12-28 وذلك قبل أن ينتهي تفسير الآية: 158 وبعد العبارة: فعلى ذلك أمر المروي عنه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. والمرة الثانية في الأصل في ص: 23 أ س26-36، وفي م ص: 24 و س 31-42، وقد جمعنا من هاتين النسختين (الأصل و م) ما رأيناه مناسبا لسياق النص وقريبا من الكمال وقابلناه بما جاء في ط ع، وأثبتناه ما بين هذه المعقوفات: المعقوفات الأربع في هذه الصفحة س 17: 8[[ وقوله... إلى الصفحة التالية س 13... الموفق ]]3.
[1911]:- أدرج في ط ع بدل هذه الكلمة تتمة الآية.
[1912]:- من ط ع.
[1913]:- من ط ع، في الأصل و م: كانوا.
[1914]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[1915]:- في النسخ الثلاث: ثم قاموا بنصرها.
[1916]:- في الأصل و م: كحبهم كعبادة، في ط ع: كعبادة.
[1917]:- ساقطة من النسخ الثلاث
[1918]:- في النسخ الثلاث: موجبا.
[1919]:-في النسخ الثلاث: وتعظيما
[1920]:- هنا انتهى ما أشرنا إليه في بداية تفسير الآية في الصفحة السابقة: ص 16 8[[ وقوله: (ومن الناس...) أي أشبها... وفوزه في الدارين والله الموفق]]3. س 13 في هذه الصفحة.
[1921]:- انظر حجة القراءات ص: 160.
[1922]:- ساقطة من ط ع.