تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

وقوله : { فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا } أي : بعد ما أخبره تعالى بذلك ، في غاية الغضب والحَنَق عليهم ، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم ، وتَسَلّم التوراة التي فيها شريعتهم ، وفيها شرف لهم . وهم قوم قد عبدوا غير الله ما يَعْلَمُ كل عاقل له لب [ وحزم ]{[19462]} بطلان{[19463]} [ ما هم فيه ]{[19464]} وسخافة عقولهم وأذهانهم ؛ ولهذا رجع إليهم غضبان أسفًا ، والأسف : شدة الغضب .

وقال مجاهد : { غَضْبَانَ أَسِفًا } أي : جزعًا . وقال قتادة ، والسدي : { أَسِفًا } أي : حزينًا على ما صنع قومه من بعده .

{ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } أي : أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة ، وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم ، وإظهاركم عليه ، وغير ذلك من أياديه عندكم ؟ { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } أي : في انتظار ما وعدكم الله . ونسيان ما سلف من{[19465]} نعمه ، وما بالعهد من قدم . { أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ } " أم " هاهنا بمعنى " بل " وهي للإضراب عن الكلام الأول ، وعدول إلى الثاني ، كأنه يقول : بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم { فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي }


[19462]:زيادة من ف، أ.
[19463]:في ف: "بضلال".
[19464]:زيادة من ف، أ وفي هـ: "ما لقيه".
[19465]:في ف: "في".