فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي} (86)

{ فرجع موسى إلى قومه } قيل كان الرجوع إلى قومه بعدما استوفى أربعين يوما ذا القعدة وعشر ذي الحجة وأخذ التوراة ، روي أنه لما رجع موسى سمع الصياح والضجيج وكانوا يرقصون حول العجل ، فقال للسبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة .

وفي القرطبي : وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي عن جماعة يجتمعون ويكثرون من ذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنهم يضربون بالقضيب على شيء من الطبل ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه ويحضرون شيئا يأكلونه ، فهل الحضور معهم جائز أم لا ؟ .

فأجاب : يرحمك الله ، مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار ، فقاموا يرقصون حوله ويتواجدون ، فهو دين الكفار وعباد العجل . وأما الطبل فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ؛ وإنما كان مجلس النبي مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها ، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم . وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين . إه .

{ غضبان آسفا } الأسف الشديد الغضب ، وقيل الحزين ، وقد مضى في الأعراف بيان هذا مستوفى { قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } الاستفهام للإنكار التوبيخي ، والوعد الحسن وعدهم بالجنة إذا أقاموا على طاعته . وقيل وعدهم أن يسمعهم كلامه في التوراة على لسان موسى ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم ، وكانت ألف سورة كل سورة ألف آية ، يحمل أسفارها سبعون جملا ، ولا وعد أحسن من ذلك . قاله النسفي ، وقيل وعدهم والنصر والظفر . وقيل هو قوله : { وإني لغفار لمن تاب } الآية .

{ أفطال عليكم العهد } أي أوعدكم ذلك فطال عليكم الزمان فنسيتم { أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم } أي يلزمكم أو ينزل عليكم ، والغضب العقوبة والنقمة . والمعنى أم أردتم أن تفعلوا فعلا يكون سبب حلول غضب الله عليكم بإرادتكم واختياركم .

{ فأخلفتم موعدي } أي موعدكم إياي ، فالمصدر مضاف إلى المفعول لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطور . وقيل وعدوه أن يأتوا على أثره إلى الميقات فتوقفوا وتركوا المجيء بعده ، وهذا ترتيب على كل واحد من شقي الترديد على سبيل البدل .