فعند ذلك { قال } يعني يوسف { اجعلني على خزائن الأرض } يعني على خزائن الطعام والأموال ، وأراد بالأرض أرض مصر أي اجعلني على خزائن أرضك التي تحت يدك ، وقال الربيع بن أنس اجعلني على خزائن خراج مصر ودخلها { إني حفيظ عليم } أي حفيظ الخزائن عليم بوجوه مصالحها . وقيل معناه إني حاسب كاتب . وقيل حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني . وقيل حفيظ للحساب عليم أعلم لغة من يأتيني . وقال الكلبي : حفيظ بتقديره في السنين المخصبة للسنين المجدبة عليم بوقت الجوع حين يقع . فقال الملك عند ذلك : ومن أحق بذلك منك وولاَّه ذلك ، وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة » .
فإن قلت كيف طلب يوسف علي الصلاة والسلام الإمارة والولاية مع ما ورد من النهي عنها مع كراهية طلبها لما صح من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها » أخرجاه في الصحيحين .
قلت إنما يكره طلب الإمارة إذا لم يتعين عليه طلبها فإذا تعين عليه طلبها وجب ذلك عليه ولا كراهية فيه . فأما يوسف عليه الصلاة والسلام فكان عليه طلب الإمارة لأنه مرسل من الله تعالى والرسول أعلم بمصالح الأمة من غيره ، وإذا كان مكلفاً برعاية المصالح ولا يمكنه ذلك إلا بطلب الإمارة وجب عليه طلبها . وقيل إنه علم انه سيحصل قحط وشدة إما بطريق الوحي من الله أو بغيره وربما أفضى ذلك إلى هلاك معظم الخلق ، وكان في طلب الإمارة إيصال الخير والراحة إلى المستحقين وجب عليه طلب الأمارة لهذا السبب .
فإن قلت كيف مدح يوسف نفسه بقوله إني حفيظ عليم والله تعالى يقول فلا تزكوا أنفسكم .
قلت إنما يكره تزكية النفس إذا قصد به الرجل التطاول والتفاخر والتوسل به إلى غير ما يحل ، فهذا القدر المذموم في تزكية النفس .
أما إذا قصد بتزكية النفس ومدحها إيصال الخير والنفع إلى الغير ، فلا يكره ذلك ولا يحرم بل يجب عليه ذلك . مثاله أن يكون بعض الناس عنده علم نافع ولا يعرف به فإنه يجب عليه أن يقول أنا عالم ، ولما كان المالك قد علم من يوسف أنه عالم بمصالح الدين ولم يعلم أنه عالم بمصالح الدنيا نبهه يوسف بقوله إني حفيظ عليم على أنه عالم بما يحتاج إليه في مصالح الدنيا أيضاً مع كمال علمه بمصالح الدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.