الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ} (55)

فقال : يوسف { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ } مجاز الآية : على خزائنّ أرضك وهي جمع الخزانة فدخلت الألف واللام خلفاً من الإضافة ، كقول النابغة : والأحلام غيرُ كواذب .

{ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } : كاتب حاسب ، قتادة : حفيظ لما وليت ، عليم بأمره ، ابن اسحاق : حفيظ لما استودعتني ، عليمٌ بما وليّتني ، شيبة الضبي : حفيظ لما استودعتني وعليمٌ بسنيّ المجاعة ، الأعشى : حافظ للحساب عليم بالألسن أعلم لغة من سألني ، الكلبي : حفيظ التقدير في هذه السنين الجدبة ، عليمٌ بوقت الجوع متى يقع ، وقيل : حفيظ لما وصل إليّ عليم بحسابة المال ، فقال له الملك : ومَن أحقّ به منك ؟ فولاّه ذلك ، وَقَالَ لَهُ : { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } ذو مكانة ومنزلة ، أمين على الخزائن ، روى جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس أنّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" رحم الله أخي يوسف لو لم يقل : اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنّه أخّر ذلك سنة فأقام عنده في بيته سنة مع الملك " .

روى سفيان عن أبي سنان عن عبدالله بن أبي الهذيل ، قال : قال الملك ليوسف : إنّي أُريد أن تخالطني في كلّ شيء غير أنّي آنف أن تأكل معي ، فقال يوسف ( عليه السلام ) : أنا أحقّ أن آنف ، أنا ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، فكان يأكل بعدئذ معه .

روى حمزة الريّان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة ، قال : لما رأى العزيز رأي يوسف وظرفه دعاه وكان يتغدّى ويتعشى معه دون غلمانه ، فلمّا كان بينه وبين المرأة ما كان ، قالت له مرّة : فليتغدّ مع الغلمان ، فقال : اذهب فتغدّ مع الغلمان فقال له يوسف في وجهه استنكفتَ أن تأكل معي ، أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله .

روى مقاتل عن يحيى بن أبي كثير أنّ عمر بن الخطاب عرض على أبي هريرة الإمارة فقال : لا أفعل ولا أريدها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من طلب الإمارة لم يعدل " فقال عمر : لقد طلب الإمارة من هو خير منك ، يوسف ( عليه السلام ) ، قال : اجعلني على خزائن الأرض .

روى بن اسحاق عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما انصرمت السنة من يوم سأل الإمارة دعاه الملك فتوَّجَهُ ورَدَّأَهُ سيفه ، ووضع له سريراً من ذهب ، مكلّلا بالدرّ والياقوت ، وضرب عليه حلّة من استبرق ، وكان طول السرير ثلاثين ذراعاً وعرضه عشرة أذرع ، عليه ثلاثون فراشاً وتسعون مرفقة ، ثمّ أمره أن يخرج فخرج متوّجاً ، لونه كالثلج ووجهه كالقمر ، يرى الناظر وجهه في صفاء لون وجهه ، فانطلق حتى جلس على السرير ودانت له الملوك ، ودخل الملك بيته مع نسائه ، وفوّض إليه أمر مصر ، وعزل قطفير عمّا كان عليه وجعل يوسف مكانه .

قال ابن اسحاق : قال ابن زيد : وكان لفرعون ملك مصر خزائن كثيرة غير الطعام ، فسلّم سلطانه كلّه إليه ، وجعل أمره وقضاءه نافذاً ، ثمّ إنّ قطفير هلك في تلك الليالي فزوّج الملك يوسف راحيل امرأة قطفير ، فلمّا دخل عليها قال : أليس هذا خيراً مما كنتِ تريدين ؟ فقالت : أيّها الصدّيق لا تلمني فإنّي كنتُ امرأة حسناء ناعمة كما ترى ، في ملك ودنيا وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنتَ كما جعلك الله في حُسنك وهيئتك فغلبتني نفسي ، فوجدها يوسف عذراء فأصابها فولدت له رجلين : أفرائيم بن يوسف ومنشا بن يوسف .