{ اجعلني على خزائن الأرض } جمع خزانة وأراد خزائن الطعام والأموال ، والأرض أرض مصر ، أي : خزائن أرضك مصر ، وقال الربيع بن أنس : أي : خرج مصر ودخله .
وروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته لكنه لما قال ذلك أخره الله تعالى سنة فأقام في بيته سنة مع الملك » . قال الرازي : وهذا من العجائب ؛ لأنه لما تثاقل عند الخروج من السجن سهل الله تعالى عليه ذلك على أحسن الوجوه . ولما سارع في ذكر هذا الالتماس أخر الله تعالى ذلك المطلوب عنه ، وهذا يدل على أنّ ترك التصرف أتم ، والتفويض بالكلية إلى الله تعالى أولى ، ثم قال : { إني حفيظ عليم } ، أي : ذو حفظ وعلم بأمرها ، وقيل : كاتب وحاسب . فإن قيل : لم طلب يوسف عليه السلام الإمارة والنبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة : «لا تسأل الإمارة » . ولم طلب الإمارة من سلطان كافر ، ولم لم يصبر مدّة ، ولم أظهر الرغبة في طلبها في الحال ، ولم طلب أمر الخزائن في أوّل الأمر مع أن هذا يورث نوع تهمة ، ولم مدح نفسه وقد قال تعالى : { فلا تزكوا أنفسكم } [ النجم ، 32 ] ولم ترك الاستثناء في هذا وقد قال تعالى : { ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً 23 إلا أن يشاء الله } [ الكهف : 23 ، 24 ] فهذه سبعة أسئلة ؟ .
أجيب عنها : بأنّ الأصل في جواب هذه الأسئلة أنّ التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان . وإنما كان ذلك واجباً عليه لوجوه :
الأوّل : أنه كان رسولاً حقاً من الله تعالى إلى الخلق والرسول يجب عليه مراعاة الأمة بقدر الإمكان .
والثاني : أنه علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضيق الشديد ، فلعله تعالى أمره أن يدبر في ذلك ويأتي بطريق لأجله يقل ضرر ذلك القحط في حق الخلق .
والثالث : أن السعي أيضاً في إيصال النفع إلى المستحقين ورفع الضرر عنهم أمر مستحسن في العقول ، فكان مكلفاً عليه السلام برعاية المصالح من هذه الوجوه ، وما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وإنما مدح نفسه ؛ لأنّ الملك وإن علم كماله في علوم الدين لكن ما كان عالماً بأنه يفي بهذا الأمر ، وأيضاً مدح النفس إنما يكون مذموماً إذا قصد به الشخص التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل ، وأمّا هذا الوجه فليس بمذموم وقوله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم } [ النجم ، 32 ] المراد به تزكية حال من لا يعلم كونها مزكاة والدليل قوله تعالى بعد هذه الآية : { هو أعلم بمن اتقى } [ النجم ، 32 ] أمّا إذا كان الإنسان عالماً بأنه صدق وحق فهذا غير ممنوع منه ، وإنما ترك الاستثناء ؛ لأنه لو ذكره بما اعتقد الملك فيه إنه إنما ذكره لعلمه أنه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي ، فلهذا المعنى ترك الاستثناء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.