فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ} (55)

فلما سمع يوسف منه ذلك قال { اجعلني على خَزَائِنِ الأرض } أي : ولني أمر الأرض التي أمرها إليك وهي أرض مصر ، أو اجعلني على حفظ خزائن الأرض ، وهي الأمكنة التي تخزن فيها الأموال . طلب يوسف عليه السلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ، ورفع الظلم ، ويتوسل به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله ، وترك عبادة الأوثان . وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ، ويهدم ما أمكنه من الباطل ، طلب ذلك لنفسه ، ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التي لها ، ترغيباً فيما يرومه ، وتنشيطاً لمن يخاطبه من الملوك بإلقاء مقاليد الأمور إليه ، وجعلها منوطة به ، ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها ، أو حرص عليها ، والخزائن جمع خزانة ، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء ، والحفيظ : الذي يحفظ الشيء ، أي : { إِنّي حَفِيظٌ } لما جعلته إليّ من حفظ الأموال لا أخرجها في غير مخارجها ، ولا أصرفها في غير مصارفها { عَلِيمٌ } بوجود جمعها وتفريقها ومدخلها ومخرجها .

/خ57