لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

قوله تعالى { مثل الجنة التي وعد المتقون } أي صفة الجنة التي وعد المتقون { تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم } لا ينقطع أبداً { وظلها } يعني أنه دائم لا ينقطع أبداً ، وليس في الجنة شمس ولا قمر ولا ظلمة بل ظل ممدود لا ينقطع ولا يزول ، وفي الآية رد على جهم وأصحابه فإنهم يقولون : إن نعيم الجنة يفنى وينقطع وفي الآية دليل على أن حركات أهل الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم . كما يقول أبو الهذيل واستدل القاضي عبد الجبار المعتزلي بهذه الآية على أن الجنة لم تخلق بعد . قال : ووجه الدليل أنها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى وينقطع أكلها لقوله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه } فوجب أن لا تكون الجنة مخلوقة لقوله : أكلها دائم يعني لا ينقطع قال ولا ينكر أن تكون في السموات جنات كثيرة تتمتع بها الملائكة ، ومن يعد حياً من الأنبياء والشهداء وغيرهم على ما روي إلا أن الذي نذهب إليه أن جنة الخلد لم تخلق بعد . والجواب عن هذا أن حاصل دليلهم مركب من آيتين : إحداهما : قوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه ، والأخرى قوله : أكلها دائم وظلها ، فإذا أدخلنا التخصيص على هذين العمومين سقط دليلهم فنخص هذين الدليلين بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة . منها قوله تعالى : { وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } ، وقوله تعالى { تلك عقبى الذين اتقوا } يعني أن عاقبة أهل التقوى هي الجنة { وعقبى الكافرين النار } يعني في الآخرة .