لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

قوله سبحانه وتعالى { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور وقيل حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ وهذا في حق الله محال فلا بد من تأويل الآية فالمقصود منها أنه سبحانه وتعالى ينتقم من الظالم للمظلوم ففيه وعيد وتهديد للظالم وإعلام له بأن لا يعامله معاملة الغافل عنه بل ينتقم ولا يتركه مغفلاً قال سفيان بن عيينة : فيه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم . فإن قلت : تعالى الله عن السهو والغفلة فكيف يحسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم غافلاً وهو أعلم الناس به أنه لم غافلاً حتى قيل له ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون . قلت : إذا كان المخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان : أحدهما التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً فهو كقوله { ولا تكونن من المشركين } { ولا تدع مع الله إلهاً آخر } وكقوله سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا آمنوا } أي اثبتوا على ما أنتم عليه من الإيمان . الوجه الثاني أن المراد بالنهي عن حسابه غافلاً الإعلام بأنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعل الظالمون ولا يخفى عليه شيء وأنه ينتقم منهم فهو على سبيل الوعيد والتهديد لهم والمعنى : ولا تحسبنه معاملهم معاملة الغافل عنهم ولكن يعاملهم معاملة الرقيب الحفيظ عليهم المحاسب لهم على الصغير والكبير وإن كان المخاطب غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال فيه ولا سؤال لأن أكثر الناس غير عارفين بصفات الله فمن جوز أن يحسبه غافلاً فلجهله بصفاته { إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } يقال : شخص بصر الرجل إذا بقيت عيناه مفتوحتين لا يطرفهما ، وشخوص البصر يدل على الحيرة والدهشة من هول ما ترى في ذلك اليوم .