لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ} (49)

قوله عز وجل : { وإذ نجيناكم } أي واذكروا إذ خلصنا أسلافكم وأجوادكم فاعتدها نعمة ومنة عليهم لأنهم نجوا بنجاة أسلافهم { من آل فرعون } أي من أتباعه وأهل دينه وفرعون اسم علم لمن كان يملك مصر من القبط والعماليق وفرعون هذا كان اسمه الوليد بن مصعب بن الريان وعمر أكثر من أربعمائة سنة { يسومونكم } أي يكلفونكم ويذيقونكم { سوء العذاب } أي أشد العذاب وأسوأه ، وقيل : يصرفونكم في العذاب مرة كذا ومرة كذا ، وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدماً وخولاً ، وصنفهم في الأعمال أصنافاً : صنف يبنون ويزرعون ، وصنف يخدمونه ومن لم يكن في عمل وضع عليه الجزية وقال ابن وهب : كانوا أصنافاً في أعمال فرعون فذوو القوة يسلخون السواري من الجبال ، حتى تقرعت أيديهم وأعناقهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها وصنف ينقلون الحجارة والطين يبنون له القصور ، وطائفة يضربون اللبن ويطبخون الآجر ، وطائفة نجارون وحدادون ، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج يعني الجزية ضريبة يؤدونها كل يوم ، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته ، غلبت يداه إلى عنقه شهراً والنساء يغزلن الكتان وينسجنه وقيل تفسير يسومونكم سوء العذاب ، ما بعده وهو قوله عز وجل : { يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } أي يتركونهن أحياء . وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر ، وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك ، وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا : يولد غلام يكون على يديه هلاكك وزوال ملكك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل ، ووكل بالقوابل فكنّ يفعلن ذلك حتى قتل في طلب موسى اثنى عشر ألفاً وقيل : سبعين ألفا ، وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤساء القبط على فرعون وقالوا : إن الموت قد وقع ببني إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة ، فولد هارون في السنة التي لا يذبح فيها وولد موسى في السنة التي يذبح فيها { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } أي اختيار وامتحان ، والبلاء يطلق على النعمة العظيمة وعلى المحنة الشديدة ليختبر الله العبد على النعمة بالشكر ، وعلى الشدة بالصبر فإن حمل قوله : { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } على صنع فرعون كان من البلاء والمحنة وإن حمل على الإنجاء كان من النعمة .