صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

{ مقاعد للسمع } مواضع في السماء نقعد فيها لاستراق السمع . { فمن يستمع الآن } بعد نزول القرآن الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم . { يجد له شهابا رصدا } مرصدا ؛ أي معدا ومهيأ له ، ينقض عليه فيصيبه ؛ فمنع الاستراق بعد المبعث ونزول القرآن . والصحيح أن الرجم كان موجودا قبل المبعث ؛ فلما بعث صلى الله عليه وسلم كثر وازداد ، كما ملئت السماء بالحرس . وليس في الآية دلالة على أن كل ما يحدث من الشهب إنما هو للرجم ؛ بل إنهم إذا حاولوا استراق السمع رجموا بالشهب . وإلا فالشهب الآن وفيما مضى قد تكون ظواهر طبيعية ، ولأسباب كونية .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

وقالوا : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } يهلكه ويحرقه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

قوله تعالى : " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " " منها " أي من السماء ، و " مقاعد " : مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء ، يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة على ما تقدم بيانه ، فحرسها الله تعالى حين بعث رسوله بالشهب المحرقة ، فقالت الجن حينئذ : " فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " يعني بالشهاب : الكوكب المحرق ، وقد تقدم بيان ذلك . ويقال : لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو آية من آياته . واختلف السلف هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث ، أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الكلبي وقال{[15454]} قوم : لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه : خمسمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها ، وحرست بالملائكة والشهب .

قلت : ورواه عطية العوفي عن ابن عباس ، ذكره البيهقي . وقال عبد الله بن عمر : لما كان اليوم الذي نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشياطين ، ورموا بالشهب ، وقال عبد الملك بن سابور : لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرست السماء ، ورميت الشياطين بالشهب ، ومنعت عن الدنو من السماء . وقال نافع بن جبير : كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب . ونحوه عن أبي بن كعب قال : لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمي بها . وقيل : كان ذلك قبل المبعث ، وإنما زادت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنذارا بحاله ، وهو معنى قوله تعالى : " ملئت " أي زيد في حرسها ، وقال أوس بن حجر وهو جاهلي :

فانْقَضَّ كالدُّرِّي يتبعُه *** نقعٌ يثورُ تخالُه طُنُبَا

وهذا قول الأكثرين . وقد أنكر الجاحظ هذا البيت وقال : كل شعر روي فيه فهو مصنوع ، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث . والقول بالرمي أصح ؛ لقوله تعالى : " فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا " . وهذا إخبار عن الجن ، أنه{[15455]} زيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم ؛ ولما روي عن ابن عباس قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم ؛ فقال : [ ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية ] ؟ قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا سبحانه وتعالى إذا قضى أمرا في السماء سبح حملة العرش ثم سبح أهل كل سماء ، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه ، فتتخطف الجن فيرمون فما جاؤوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه ] . وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث . وروى الزهري نحوه عن علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب عن ابن عباس . وفي آخره قيل للزهري : أكان يرمى في الجاهلية ؟ قال : نعم . قلت : أفرأيت قوله سبحانه : " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " قال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم . ونحوه قاله القتبي . قال ابن قتيبة : كان ولكن اشتدت الحراسة بعد المبعث ، وكانوا من قبل يسترقون ويرمون في بعض الأحوال ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعت من ذلك أصلا . وقد تقدم بيان هذا في سورة " الصافات " {[15456]} عند قوله : " ويقذفون من كل جانب . دحورا ولهم عذاب واصب " [ الصافات : 8 - 9 ] قال الحافظ : فلو قال قائل : كيف تتعرض الجن لإحراق نفسها بسبب استماع خبر ، بعد أن صار ذلك معلوما لهم ؟ فالجواب : أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة ، كما ينسي إبليس في كل وقت أنه لا يسلم ، وأن الله تعالى قال له : " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " [ الحجر : 35 ] ولولا هذا لما تحقق التكليف . والرصد : قيل من الملائكة ، أي ورصدا من الملائكة .

والرصد : الحافظ للشيء والجمع أرصاد ، وفي غير هذا الموضع يجوز أن يكون جمعا كالحرس ، والواحد : راصد . وقيل : الرصد هو الشهاب ، أي شهابا قد أرصد له ، ليرجم به ؛ فهو فعل بمعنى مفعول كالخبط والنفض .


[15454]:الفعل (قال) زائد في ط. والصواب إسقاطه، كما في أ، ح، و.
[15455]:في ط: "وقد زيد". وفي أ، وح: "لقد زيد".
[15456]:راجع جـ 15 ص 65.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

{ وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } المقاعد جمع مقعد وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحدا فوق واحد فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ثم يزيد الكهان للكلمة مائة كذبة .

{ فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } الرصد اسم جمع للراصد كالحراس للحارس وقال ابن عطية : هو مصدر وصف به ومعناه : منتظر قال بعضهم : إن رمي الجن بالنجوم إنما حدث بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم واختار ابن عطية والزمخشري أنه كان قبل المبعث قليلا ، ثم زاد بعد المبعث وكثر حتى منع الجن من استراق السمع بالكلية والدليل أنه كان قبل المبعث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد رأى كوكبا انقض ما كنتم تقولون لهذا في الجاهلية ؟ قالوا كنا نقول ولد ملك أو مات ملك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الأمر كذلك ثم وصف استراق الجن للسمع " وقد ذكر شعراء الجاهلية ذلك في أشعارهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

ولما أخبروا عن حالها إذ ذاك لأنه الأهم عندهم ، أخبروا عن حالها قبل ، فقالوا مؤكدين لما للإنس من التكذيب{[69061]} بوصول أحد إلى السماء : { وإنا كنا } أي فيما مضى { نقعد منها } أي السماء { مقاعد } أي كثيرة قد علمناها لا حرس فيها فهي صالحة { للسمع } أي لأن نسمع{[69062]} منها بعض ما تتكلم به الملائكة بما أمروا بتدبيره ، وقد جاء في الخبر أن صفة قعودهم هي أن يكون الواحد منهم فوق الآخر حتى يصلوا إلى السماء ، قال أبو حيان{[69063]} : فمتى احترق الأعلى كان الذي تحته مكانه فكانوا يسترقون{[69064]} الكلمة فيلقونها إلى الكهان فيزيدون معها الكذب .

ولما كان التقدير : فنستمع منها فنسمع{[69065]} ما يقدر لنا من غير مانع ، عطف عليه قوله : { فمن يستمع } أي يجتهد في الوصول إلى السمع { الآن } أي في هذا الوقت فيما يستقبل أنهم قسموا الزمان إلى ما كان من إطلاق الاستماع لهم وإلى ما صار إليه الحال من الحراسة ، وأطلقوا " الآن " على الثاني كله ، لأنهم أرادوا وقت قولهم فقط أو أرادوه لأنهم يعلمون ما بعده فيجوزون{[69066]} أن يكون الحال فيه على غير ذلك { يجد له } أي لأجله { شهاباً } أي شعلة من نار{[69067]} ساطعة محرقة .

ولما كان الشهاب في معنى الجمع لأن المراد أن كل موضع منها{[69068]} كذلك ، وصفه باسم الجمع فقال : { رصداً * } أي يرصده الرامون به من غير غفلة ، ويجوز أن يكون مصدراً على المبالغة كرجل عدل ، والرصد الترقب لأنه لما كان لا تأخر {[69069]}عن رميه{[69070]} عند الدنوّ من السماء كان كأنه هو الراصد{[69071]} له ، المراقب{[69072]} لأمره ، الملاحظ الذي لا فتور عنده و{[69073]}لا غفلة بوجه بل هو الرصد وهو المعنى بنفسه ، فمتى تسنم للاستماع رمي به فيمنعه{[69074]} من الاستماع وإن أدركه أحرقه{[69075]} ، وأما السمع فقد امتنع{[69076]} لقوله تعالى { وإنهم عن السمع لمعزولون }[ الشعراء : 212 ] .


[69061]:- زيد من ظ وم.
[69062]:- من ظ وم، وفي الأصل: يسمع.
[69063]:- في البحر المحيط 8/ 349.
[69064]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: يستمعون.
[69065]:- زيد من ظ وم.
[69066]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيجوز.
[69067]:- من ظ وم وفي الأصل: النار.
[69068]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيها.
[69069]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرمية.
[69070]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرمية.
[69071]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرصد.
[69072]:- من ظ وم، وفي الأصل: المترقب.
[69073]:- زيد من ظ وم.
[69074]:- من ظ وم، وفي الأصل: فمنعه.
[69075]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحقه.
[69076]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.