صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة }واحدة اللين ، هو النخل كله أو إلا العجوة ، أو هو كرام النخل ، أو واحدة اللون ، وهو جميع ألوان التمر سوى البرني والعجوة ؛ ويسميه أهل المدينة الألوان . وأصل لينة لونة ، فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها . نزلت حين اختلف الصحابة في قطع نخل لبني النضير كان موضعا للقتال ؛ فمنهم من قطع ، ومنهم من أمسك ، أي أيّ شيء قطعتم منه أو تركتم على ما هو عليه فيأمر الله تعالى ؛ فلا جناح عليكم في شيء منهما ولا لوم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

اللينة : النخلة .

عندما حاصر الرسول الكريم وأصحابه يهودَ بني النضير قطعوا بعض نخيلهم حتى يذلّوهم ويجبروهم على الاستسلام ، فقال الله تعالى : أي شيء قطعتموه من النخل أو أبقيتموه كما كان ، فهو بأمر الله ، فلا حرجَ عليكم فيه ، ليعزّ المؤمنين ، وليخزيَ الفاسقين المنحرفين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما لام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والأشجار ، وزعموا أن ذلك من الفساد ، وتوصلوا بذلك{[1032]}  إلى الطعن بالمسلمين ، أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه ، إنه بإذنه تعالى ، وأمره { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } حيث سلطكم على قطع نخلهم ، وتحريقها ، ليكون ذلك نكالا لهم ، وخزيا في الدنيا ، وذلا يعرف به عجزهم التام ، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم ، الذي هو مادة قوتهم . واللينة : اسم يشمل سائر النخيل على أصح الاحتمالات وأولاها ، فهذه حال بني النضير ، وكيف عاقبهم الله في الدنيا .


[1032]:- كذا في ب، وفي أ: به.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ! أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل ؟ فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ؟ ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها ، فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال : " حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع البويرة " ، فنزلت : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } ، أخبر الله في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه فبإذن الله . { وليخزي الفاسقين } واختلفوا في اللينة ، فقال قوم : النخل كلها لينة ما خلا العجوة ، وهو قول عكرمة وقتادة ، ورواه زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة " وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر : الألوان ، واحدها لون ولينة . وقال الزهري : هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية . وقال مجاهد وعطية : هي النخل كلها من غير استثناء . وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم : هي لون من النخل . وقال سفيان : هي كرام النخل . وقال مقاتل هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللون ، وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف ، وأحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد في الأرض وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائماً هو لمن غلب عليها ، فأخبر الله تعالى أن ذلك بإذنه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة } من نخلة من نخيلهم ، { أو تركتموها قائمة } فلم تقطعوها { فبإذن الله } أي أنه أذن في ذلك إن شئتم قطعتم وإن شئتم تركتم ، وذلك أنهم لما تحصنوا بحصونهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وإحراقها فجزعوا من ذلك ، وقالوا من أين لك يا محمد عقر الشجر المثمر ، واختلف المسلمون في ذلك فمنهم من قطع غيظا لهم ومنهم من ترك القطع وقالوا هو مالنا أفاء الله علينا به ، فأخبر الله أن كل ذلك من القطع والترك بإذنه ، { وليخزي الفاسقين } وليذل اليهود وليغيظهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

فيه خمس مسائل :

الأولى- قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة } ( ما ) في محل نصب ب ( قطعتم ) ، كأنه قال : أي شيء قطعتم . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير - وهي البويرة - حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أحد ، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها . واختلفوا في عدد ذلك ، فقال قتادة والضحاك : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات . وقال محمد بن إسحاق : إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة ، وكان ذلك عن إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأمره ، إما لإضعافهم بها وإما لسعة{[14817]} المكان بقطعها ، فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب : يا محمد ، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح ، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر ؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض ؟ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم . ووجد المؤمنون{[14818]} في أنفسهم حتى اختلفوا ، فقال بعضهم : لا تقطعوا مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : أقطعوا لنغيظهم بذلك . فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الإثم ، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله . وقال شاعرهم سماك اليهودي في ذلك :

ألسنا ورِثنا الكتاب الحكيم *** على عهد موسى ولم نَصْدِفِ

وأنتم رعاءٌ لشاءٍ عجافٍ *** بسهل تهامة والأخْيَفِ

ترون الرعاية مجدا لكم *** لدى كل دهر لكم مُجْحِف

فيا أيها الشاهدون انتهوا *** عن الظلم والمنطق المُؤْنِف

لعل الليالي وصرف الزهور *** يُدِلْنَ من العادل المنصف

بقتل النضير وإجلائها{[14819]} *** وعقر النخيل ولم تُقْطِف

فأجابه حسان بن ثابت :

تفاقد{[14820]} مَعْشَرٌ نصروا قريشا *** وليس لهم ببلدتهم نصيرُ

همو أوتوا الكتاب فضيعوه *** وهم عُمْيٌ عن التوراة بور

كفرتم بالقران وقد أبيتم{[14821]} *** بتصديق الذي قال النذير

وهان على سَرَاة بني لؤَي *** حريق بالبويرة مستطير

فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب :

أدام الله ذلك من صنيع *** وحرق في نواحيها{[14822]} السعيرُ

ستعلم أينا منها بِنُزْهٍ *** وتعلم أي أَرْضَيْنَا تَصِيرُ

فلو كان النخيل بها ركابا *** لقالوا لا مقام لكم فسيروا

الثانية- كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة ، وتحصنوا منه في الحصون ، وأمر بقطع النخل وإحراقها ، وحينئذ نزل تحريم الخمر . ودس عبدالله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير : إنا معكم ، وإن قوتلنا قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فاغتروا بذلك . فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم وألقوا بأيديهم ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دمائهم ويجليهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ، فاحتملوا كذلك إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام . وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم ، كحيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق ، وكنانة بن الربيع . فدانت لهم خيبر .

الثالثة- ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق . ولها يقول حسان :

وهان على سراة بني لُؤَي *** حريق بالبُوَيرة مستطير

وفي ذلك نزلت : " ما قطعتم من لينة " الآية .

واختلف الناس في تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين : الأول : أن ذلك جائز ، قال في المدونة . الثاني : إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا ، وإن يئسوا فعلوا ، قاله مالك في الواضحة ، وعليه يناظر أصحاب الشافعي . ابن العربي : والصحيح الأول . وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخل بني النضير له ، ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها ، وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا ، مقصودة عقلا .

الرابعة- قال الماوردي : إن في هذه الآية دليلا على أن كل مجتهد مصيب . وقاله الكيا الطبري قال : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي ذلك وسكت ، فتلقوا الحكم من تقريره فقط . قال ابن العربي : وهذا باطل ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معهم ، ولا اجتهاد مع حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يدل على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه ، أخذا بعموم الأذية للكفار ، ودخولا في الإذن للكل لما يقضي عليهم بالاجتياح والبوار ؛ وذلك قوله تعالى : { وليخزي الفاسقين } .

الخامسة- اختلف في اللينة ما هي ، على أقوال عشرة : الأول : النخل كله إلا العجوة ، قاله الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل . وعن ابن عباس ومجاهد والحسن : أنها النخل كله ، ولم يستثنوا عجوة ولا غيرها . وعن ابن عباس أيضا : أنها لون من النخل . وعن الثوري : أنها كرام النخل . وعن أبي عبيدة : أنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني{[14823]} . وقال جعفر بن محمد : إنها العجوة خاصة . وذكر أن العتيق والعجوة كانتا مع نوح عليه السلام في السفينة . والعتيق : الفحل . وكانت العجوة أصل الإناث كلها فلذلك شق على اليهود قطعها ، حكاه الماوردي . وقيل : هي ضرب من النخل يقال لتمره : اللَّون ، تمره أجود التمر ، وهو شديد الصفرة ، يرى نواه من خارجه ويغيب فيه الضرس ، النخلة منها أحب إليهم من وَصِيف{[14824]} . وقيل : هي النخلة القريبة من الأرض . وأنشد الأخفش .

قد شَجَانِي الحمام حين تَغَنَّى *** بفراق الأحباب من فوق لِينَهْ

وقيل : إن اللينة الفسيلة ؛ لأنها ألين من النخلة . ومنه قول الشاعر :

غَرسوا لينَها بمجرى مَعِينِ *** ثم حفّوا النخيل بالآجام{[14825]}

وقيل : إن اللينة الأشجار كلها للينها بالحياة ، قال ذو الرمة :

طِرَاقُ الخَوَافِي واقع فوق لينة *** نَدَى ليله في ريشه يترقرق

والقول العاشر : أنها الدقل ، قاله الأصمعي . قال : وأهل المدينة يقولون لا تنتفخ الموائد حتى توجد الألوان ، يعنون الدقل . قال ابن العربي : والصحيح ما قال الزهري ومالك لوجهين : أحدهما : أنهما أعرف ببلدهما وأشجارهما . الثاني : أن الاشتقاق يعضده ، وأهل اللغة يصححونه ، فإن اللينة وزنها لُونة ، واعتلت على أصولهم فآلت إلى لينة فهي لون ، فإذا دخلت الهاء كسر أولها ، كبَرك الصدر ( بفتح الباء ) وبِركه ( بكسرها ) لأجل الهاء . وقيل لينة أصلها لِوْنة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها . وجمع اللينة لين . وقيل : لِيان ، قال امرؤ القيس يصف عنق فرسه :

وسالفة كَسَحُوقِ اللِّيا *** ن أضرم فيها الغَوِيُّ السُّعُرْ

وقال الأخفش : إنما سميت لينة اشتقاقا من اللون لا من اللين . المهدوي : واختلف في اشتقاقها ، فقيل : هي من اللون وأصلها لونة . وقيل : أصلها لينة من لان يلين . وقرأ عبدالله { ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوماء على أصولها } أي قائمة على سوقها . وقرأ الأعمش { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قُوَّمًا على أصولها } المعنى لم تقطعوها . وقرئ { قوماء على أُصُلها } . وفيه وجهان : أحدهما : أنه جمع أصل ، كرهن ورهن . والثاني : اكتفي فيه بالضمة عن الواو . وقرئ { قائما على أصوله } ذهابا إلى لفظ " ما " . { فبإذن الله } أي بأمره { وليخزي الفاسقين } أي ليذل اليهود الكفار به وبنبيه وكتبه .


[14817]:في ح، هـ: "أو لسعة".
[14818]:في ح، س، هـ: "المسلمون".
[14819]:في سيرة ابن هشام: "وأحلافها".
[14820]:في سيرة ابن هشام: "تعاهد".
[14821]:في السيرة: "أتيتم".
[14822]:في السيرة: "في طرائفها".
[14823]:(البرني بفتح فسكون): ضرب من التمر أحمر مشرب بصفرة كثير اللحاء، عذب الحلاوة.
[14824]:الوصيف: الخادم، غلاما كان أو جارية.
[14825]:في ح، س، هـ: "بالأكمام".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما دل سبحانه على عزته وحكمته بما فعل ببني النضير الذين يقولون إنهم أشجع الناس وأشدهم شكيمة بما لهم من الأصالة والاصطفاء على العالمين ، مع التأييد بالكتاب والحكمة ، وختم بأن من شاق رسوله فقد شاقه ، ومن شاقه فقد شدد عقابه ، أتبعه بيان ما عاقبهم به من قطع الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنخلهم الذي هو أعز عليهم من أبكارهم وهم ينظرون إليه لا يغنون شيئاً ولا منعة{[63708]} لديهم فقال : { ما } وهي شرطية وأتبعها بشرطها الناصب لها فقال : { قطعتم } أي كل ما قطعتموه ، وبين ما في " ما{[63709]} " من الإبهام بقوله معبراً عن النخل ، بما يفيد نوعه وأنه{[63710]} هان عليهم القطع ولان : { من لينة } وهي ضرب من النخل ، قال ابن إسحاق : هو ما خالف العجوة من النخل ، و{[63711]}قال ابن هشام : اللينة من الألوان ، وهي ما لم يكن برنية ولا عجوة من النخل فيما حدثني أبو عبيدة - انتهى . وقال صاحب القاموس اللون : الدقل من النخل ، وهي جماعة واحدتها{[63712]} لونة ولينة ، قال المهدوي : {[63713]}وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد [ وغيرهما-{[63714]} ] أنها النخل كله ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أنها{[63715]} لون من النخل ، وقال البغوي{[63716]} : ورواية زاذان{[63717]} عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع{[63718]} نخلهم إلا العجوة . وأهل المدينة يسمون ما خلا{[63719]} العجوة من التمر الألوان واحدها لون ولينة ، وقال عطية و{[63720]}الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون : اللينة : النخلة ، اسمان بمعنى واحد ، وجمعها لين وليان ، وقال سفيان الثوري : اللينة ما تمرها لون وهو نوع من التمر شديد الصفرة يشف عن{[63721]} نواة فيرى من خارج ، قال البغوي{[63722]} : يغيب فيها الضرس{[63723]} ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة{[63724]} الواحدة ثمنها ثمن وصيف أحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق عليهم وقالوا للمؤمنين : إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون ، دعوا هذه النخلة ، فإنما هي لمن غلب عليها ، وقال الرازي في اللوامع واختلاف الألوان فيها ظاهر{[63725]} لأنها أول حالها بيضاء{[63726]} كصدف مليء درّاً منضداً ، ثم غبراء ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق فيها النماء ثم{[63727]} حمراء كأنها ياقوت رص بعضه ببعض ثم صفراء{[63728]} كأنها شذو عقيان ، ولذلك إذا بلغ الإرطاب نصفها سميت{[63729]} مجزعة لاختلاف ألوانها الجزع الظفاري .

ولما كان ما فسر بمؤنث هو اللينة ، أعاد الضمير مؤنثاً فقال : { أو تركتموها } ولما كان الترك يصدق ببقائها مغروسة أو مقطوعة قال : { قائمة } ولما كان المراد نخيلاً كثيرة لإرادة الجنس قال : { على أصولها } بجمع الكثرة { فبإذن الله } أي فقطعها بتمكين الملك الأعظم ورضاه ، قال القشيري : وفي هذا دليل على أن{[63730]} الشريعة غير معللة وإذا{[63731]} جاء الأمر الشرعي بطل طلب{[63732]} التعليل وسكتت الألسنة عن التقاضي ب " لِمَ " وحضور الاعتراض والاستقباح بالبال خروج عن حد العرفان .

ولما فطم عن طلب العلل خطاباً للكمل ، طيب قلوب من دونهم بعلة معطوفة على ما تقديره : فليس ذلك بفساد ولكنه صلاح أذن لكم فيه ليشفي به صدور المؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ، فقال واضعاً موضع ضميرهم ظاهراً يدل على ما أوجب خزيهم : { وليخزي الفاسقين * } الذين هم أصلاء في المروق{[63733]} من دائرة الحق بأن يذلهم ويفضحهم ببيان كذبهم في دعواهم العز والشجاعة والتأييد من الله لأنهم على الدين الحق وأنه لا يتطرق إليه نسخ{[63734]} ، وروى أبو يعلى{[63735]} عن جابر رضي الله عنه أنه قال : رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم{[63736]} فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! علينا إثم فيما قطعنا أو علينا فيما تركنا ، فأنزل الله الآية - انتهى وكان ناس من المؤمنين مالوا إلى الكف عن القطع لما سموه اليهود فساداً وطائفة أشاروا بالاستمرار على القطع لأنه يغيظهم ، فصوب سبحانه في الآية من أمر بالكف وحلل من أشاروا بالاستمرار بالقطع{[63737]} من الإثم ، فدلت الآية على جواز إفساد{[63738]} أموال{[63739]} أهل الحرب{[63740]} على أي حال كان مثمراً{[63741]} كان أو لا بالتحريق والتغريق والهدم وغيره لإخزائهم بذلك .


[63708]:- من م، وفي الأصل وظ: صفة- كذا.
[63709]:- زيد من م.
[63710]:- من م، وفي الأصل وظ: لأنه.
[63711]:- زيد من ظ وم.
[63712]:- من ظ وم والقاموس، وفي الأصل: واحد منهما.
[63713]:- العبارة من هنا إلى "عنهما أيضا" ساقطة من ظ.
[63714]:- زيد من م.
[63715]:- من م، وفي الأصل وظ: إنه.
[63716]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 49.
[63717]:- من المعالم، وفي الأصول: باذان.
[63718]:- زيد من ظ وم المعالم.
[63719]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: ماعدا.
[63720]:- سقط من م.
[63721]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[63722]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 49.
[63723]:- من ظ والمعالم، وفي الأصل وم: الفرس.
[63724]:- زيد من ظ وم والمعالم.
[63725]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظاهرة.
[63726]:- زيد من م.
[63727]:- زيد من ظ وم.
[63728]:- من ظ وم، وفي الأصل: صفى.
[63729]:- زيد من ظ وم.
[63730]:- زيد من ظ وم.
[63731]:- من م، وفي الأصل: وظ: إنما.
[63732]:- من م، وفي الأصل وظ: بطلب.
[63733]:- من م، وفي الأصل وظ: الرقة.
[63734]:- زيد في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63735]:- راجع الدر المنثور 6/ 188.
[63736]:- زيد من ظ وم.
[63737]:- زيد من م.
[63738]:- من ظ وم، وفي الأصل: فساد.
[63739]:- زيد من ظ وم.
[63740]:- من ظ وم، وفي الأصل: العرب.
[63741]:- من ظ وم، وفي الأصل: مستمرا.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله : { ما قطعتم من لّينة أو تركتموها قائمة على أصولها } اللينة مفرد وجمعه اللين . وهو كل نوع من أنواع النخل سوى العجوة{[4497]} والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل حصون بني النضير عقب نقضهم العهد أمر بقطع نخيلهم وإحراقها . واختلفوا في عدد النخلات التي قطعت أو حرقت . فقيل : إن مجموع ما قطعه المسلمون من نخيلهم وأحرقوه ست نخلات . وقيل : قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة وقد أقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .

على أن المقصود من قطع النخيل لبني النضير ، هو إضعافهم والتضييق عليهم من أجل الخروج . فأخبر الله بعد ذلك أن قطع النخل إنما كان بإذن الله أي بأمره وقدره . وقد كان ذلك ردا لمقالة يهود ، إذ بعثوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله الآية { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } أي أن قطعها لم يكن فسادا وإنما كان بأمر الله ليذل الخارجين عن طاعته وهم بنو النضير{[4498]} .


[4497]:المعجم الوسيط جـ 2 ص 850.
[4498]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 331 –333 وتفسير الطبري جـ 28 ص 23، 24.