إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ مَا قَطَعْتُمْ مِن لينَةٍ } أيْ أيُّ شيءٍ قطعتُمْ من نخلةٍ وهي فِعْلَةٌ من اللَّوْنِ وياؤُهَا مقلوبةٌ من واوٍ لكسرةِ مَا قَبْلها كَدِيمةٍ وتجمعُ على ألوانٍ ، وقيلَ من اللينِ وتجمعُ على لِينٍ وهيَ النخلةُ الكريمةُ ، { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا } الضميرُ لِمَا وتأنيثُهُ لتفسيرِهِ باللينةِ كما في قولِهِ تعالى :{ مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا }[ سورة فاطر ، الآية 2 ] ، { قَائِمَةً على أُصُولِهَا } كما كانتْ منْ غيرِ أنْ تتعرضُوا لها بشيءٍ مَا . وقُرِئَ عَلى أُصُلِهَا إما على الاكتفاءِ من الواوِ بالضمِّ أو على أنه جمعٌ كرُهُنٍ ، وقُرِئَ قائماً على أصُولِهِ ذهاباً إلى لفظِ مَا { فَبِإِذْنِ الله } فذاكَ أي قطعُهَا وتركُهَا بأمرِ الله تعالى : { وَلِيُخْزِي الفاسقين } أي وليذلَّ اليهودَ ويغيظَهُمْ أَذِنَ في قطعِهَا وتركِهَا لأنهُم إذا رأَوا المؤمنينَ يتحكمونَ في أموالِهِمْ كيفَ أحبُّوا ويتصرفونَ فيها حسبما شاؤوا من القطعِ والتركِ يزدادونَ غيظاً ويتضاعفونَ حسرةً واستُدلَّ بهِ على جوازِ هدمِ ديارِ الكفرةِ وقطعِ أشجارِهِم وإحراقِ زروعِهِم زيادةً لغيظِهِم . وتخصيصُ اللينةِ بالقطعِ إنْ كانت من الألوانِ لاستبقاءِ العجوةِ والبَرْنيةِ{[778]} اللتينِ هما كرامُ النخيلِ وإن كانتْ هي الكرامَ ليكونَ غيظُهُم أشدَّ .


[778]:العجوة والبرنيه: ضربان من التمر والأول هو من تمر المدينة يضرب إلى السواد ونخلته لينة، قال الأزهري: العجوة بالمدينة هي الصيحانية. والبرنية: ضرب من الثمر أحمر مشرب بصفرة كثير اللحاء، عذب الحلاوة.