فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله } قال مجاهد : إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل فنهاهم بعضهم ، وقالوا : إنما هي مغانم للمسلمين ، وقال الذين قطعوا : بل هو غيظ للعدوّ ، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخل وتحليل من قطعه من الإثم فقال : { مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ } قال قتادة والضحاك : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات . وقال محمد بن إسحاق : إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة ، فقال بنو النضير وهم أهل كتاب : يا محمد ألست تزعم أنك نبيّ تريد الصلاح ، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر ؟ وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض ، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد المسلمون في أنفسهم فنزلت الآية . ومعنى الآية : أيُّ شيء قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله ، والضمير في { تركتموها } عائد إلى «ما » لتفسيرها باللينة ، وكذا في قوله : { قَائِمَةً على أُصُولِهَا } ومعنى { على أُصُولِهَا } أنها باقية على ما هي عليه .

واختلف المفسرون في تفسير اللينة ، فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل : إنها النخل كله إلاّ العجوة . وقال مجاهد : إنها النخل كله ولم يستثن عجوة ولا غيرها . وقال الثوري : هي كرام النخل . وقال أبو عبيدة : إنها جميع أنواع التمر سوى العجوة والبرني . وقال جعفر بن محمد : إنها العجوة خاصة ، وقيل : هي ضرب من النخل ، يقال لتمره : اللون ، تمره أجود التمر . وقال الأصمعي : هي الدقل . وأصل اللينة : لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وجمع اللينة لين ، وقيل : ليان . وقرأ ابن مسعود ( ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوماً على أصولها ) أي قائمة على سوقها ، وقرئ : ( على أصلها ) وقرئ : ( قائماً على أصوله ) { وَلِيُخْزِىَ الفاسقين } أي ليذلّ الخارجين عن الطاعة ، وهم اليهود ويغيظهم في قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف شاءوا من القطع والترك ازدادوا غيظاً . قال الزجاج : { وليخزي الفاسقين } بأن يريهم أموالهم يتحكم فيها المؤمنون كيف أحبوا من قطع وترك ، والتقدير : وليخزي الفاسقين أذن في ذلك ، يدل على المحذوف قوله : { فَبِإِذْنِ الله } ، وقد استدلّ بهذه الآية على جواز الاجتهاد ، وعلى تصويب المجتهدين ، والبحث مستوفى في كتب الأصول .

/خ7