النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة أو تكرتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير وهي البويرة حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أحد ، قطع المسلمون من نخلهم وأحرقوا ست نخلات ، وحكى محمد بن إسحاق أنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة ، وكان ذلك عن إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأمره ، إما لإضعافهم بها أو لسعة المكان بقطعها ، فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل كتاب :يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الإصلاح ؟أفمن الصلاح حرق الشجر وقطع النخل{[2938]} ؟ وقال شاعرهم سماك اليهودي :

ألسنا ورثنا كتاب الحكيم *** على عهد موسى ولم نصدف

وأنتم رعاء لشاء عجاف *** بسهل تهامة والأخيف

ترون الرعاية مجداً لكم *** لدي كل دهر لكم مجحف

فيا أيها الشاهدون انتهوا *** عن الظلم والمنطق المؤنف

لعل الليالي وصرف الدهور *** يدلن عن العادل المنصف

بقتل النضير وإجلائها *** وعقر النخيل ولم تقطف

فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه :

هم أوتوا الكتاب فضيعوه *** وهم عمي عن التوارة بور

كفرتم بالقرآن وقد أتيتم *** بتصديق الذي قال النذير

وهان على سراة بني لؤي *** حريق بالبويرة مستطير

ثم إن المسلمين جل في صدورهم ما فعلوه ، فقال بعضهم : هذا فساد ، وقال آخرون منهم عمر بن الخطاب : هذا مما يجزي الله به أعداءه وينصر أولياءه فقالوا يا رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ ، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله تعالى :{ وما قطعتم من لينة } الآية . وفيه دليل على أن كل مجتهد مصيب .

وفي اللينة خمسة أقاويل :

أحدها : النخلة من أي الأصناف كانت ، قاله ابن حبان .

الثاني : أنها كرام النخل ، قاله سفيان .

الثالث : أنها العجوة{[2939]} خاصة ، قاله جعفر بن محمد وذكر أن العتيق والعجوة كانا مع نوح في السفينة ، والعتيق الفحل ، وكانت العجوة أصل الإناث كلها ولذلك شق على اليهود قطعها .

الرابع : أن اللينة الفسيلة لأنها ألين من النخلة ، ومنه قول الشاعر :

غرسوا لينها بمجرى معين *** ثم حفوا النخيل بالآجام

الخامس : أن اللينة جميع الأشجار للينها بالحياة ، ومنه قول ذي الرمة :

طراق الخوافي واقع فوق لينة *** ندى ليلة في ريشه يترقرق

قال الأخفش : سميت لينة اشتقاقاً من اللون لا من اللين .


[2938]:أخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة مثل هذا الخبر.
[2939]:العجوة: نوع من النخل.