الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

قال الله له : { يا نوح إنه ليس من أهلك }[ 46 ] : أي : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم{[32497]} .

وقال الحسن : لم يكن ابنه ، وكان يحلف أنه ما كان ابنه{[32498]} . فمعنى : { ليس من أهلك } : أي : ليس بابن لك ، إنما هو ابن امرأته{[32499]} وقال عكرمة ، وغيره : هو ابنه ، ولكن كان على غير دينه{[32500]} ، وإنما وعده الله عز وجل ، أن ينجي أهله المؤمنين به . فمعنى{[32501]} { ليس من أهلك } : ليس من أهل دينك{[32502]} .

ثم قال تعالى : { إنه عمل غير صالح }[ 46 ] : أي : إن سؤالك يا نوح إياي أن أنجي مشركا عمل منك غير صالح{[32503]} .

وقيل : المعنى : إن الذي سألت أن أنجيه ، ذو{[32504]} عمل غير صالح{[32505]} .

وقيل : المعنى : إن عمله غير صالح .

وعن ابن مسعود/ أنه قرأ ( إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم ){[32506]} { فلا تسألن } ، فتكون الهاء للمجهول ، وخبر ( عمل ) محذوف دل{[32507]} عليه { فلا تسألن } .

ومن قرأ : ( عمل غير صالح ) ، فكذلك{[32508]} قرأ الكسائي{[32509]} . وفيه{[32510]} : حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم{[32511]} ، أنه كذلك قرأ{[32512]} . ومعناه : ظاهر ، كأنه قال : إنه كافر ، والمعنى{[32513]} : إن ابنك كافر{[32514]} ، عمل عملا غير صالح ، مثل { واعملوا صالحا }{[32515]} ، ومثل { وعمل صالحا }{[32516]} .

ثم قال تعالى : { إني أعظك أن تكون من الجاهلين }[ 46 ] هذا تنبيه لنوح صلى الله عليه وسلم ، لئلا{[32517]} يسأل عما طوي عنه عمله{[32518]} .

وقال ابن زيد : المعنى : إني أعظك أن تبلغ الجهالة بك ، أن تظن أني لا أفي بوعد{[32519]} وعدتك ، حتى تسألني ما ليس لك به علم{[32520]} . فاستقال نوح{[32521]} من سؤاله ، واستعاذ من ذلك . وقال : { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين }[ 47 ] : فاستغفر من زلته في مسألته ، وهذا ( يدل على أن الأنبياء ( صلوات الله عليهم ){[32522]} ، يذنبون ){[32523]} .

ومعنى : { من الخاسرين } : أي : الذين خسروا رحمتك يوم القيامة . والمعنى : إني أسألك أن توفقني وتلطف{[32524]} بي ، حتى لا أسألك ( ما ليس لي به علم ){[32525]} .


[32497]:في النسختين معا أنجيهم وانظر: معاني الفراء 2/17، ومعاني الزجاج 3/56.
[32498]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/341 و347، ومعاني الزجاج 3/55.
[32499]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/340-341.
[32500]:وهو أيضا قول ابن مسعود، وابن عباس، انظر: جامع البيان 15/343. ومعاني الزجاج 3/55.
[32501]:ق: بمعنى.
[32502]:وهو قول الجمهور انظر: الجامع 9/32.
[32503]:وهو قول ابن عباس في: معاني الفراء 2/17 وعزاه في جامع البيان 15/346-347 إلى إبراهيم النخعي.
[32504]:ق: هو.
[32505]:وهو قول الزجاج في: معانيه 3/55.
[32506]:انظر قراءة ابن مسعود في: المحرر 9/162.
[32507]:ق: ذل.
[32508]:ق: وبذلك، ط: وكذلك.
[32509]:انظر: قراءة الكسائي من السبعة، ويعقوب من العشرة بكسر الميم وفتح اللام في: السبعة 334، والمبسوط 239، والحجة 341، والكشف 1/530، والتيسير 125، والمحرر 9/162، والنشر 2/289.
[32510]:ط: ففيه.
[32511]:ط: صم.
[32512]:هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم 1631، والإمام أحمد في مسنده 6/454، والإمام أبو داود في سننه 4/33. رقم 3982 و3983 في كتاب الحروف والقراءات: عن أسماء بنت زيد، وأم سلمة. ورواه الحاكم في المستدرك 2/249، وقال: حديث غريب، وقال: ولم أذكر في كتابي هذا عن شهر غير هذا الحديث الواحد. وطعن فيه الطبري في جامع البيان 15/349، والنحاس في القطع 390، بحجة أنه لم يعلم أن لشهر سماعا يصح عن أم سلمة، وقد فصل الشيخ شاكر – في تحقيقه لهذا الخبر – القول فيه، وبين طرقه، وبسط أسانيده بشكل دقيق، مفندا بذلك قول الطبري، انظر: هامش جامع البيان 15/348-350.
[32513]:ق: ومعنا.
[32514]:ساقط من ط.
[32515]:المؤمنون: 52، سبأ: 11.
[32516]:هذه الآية وردت في القرآن الكريم عشر مرات أولها: في البقرة: 61 وآخرها: في سبأ: 37.
[32517]:ط: ألا.
[32518]:ق: عمله. وانظر: جامع البيان 15/351.
[32519]:ط: بوعدي كذلك.
[32520]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/351.
[32521]:ط: صم.
[32522]:ما بين القوسين ساقط من ق.
[32523]:وهو قول النحاس في إعرابه 2/287. رده ابن حزم في الفصل 4/13 بقوله: (وهذا لا حجة لهم فيه، لأن نوحا تأول وعد الله تعالى أن يخلصه وأهله فظن أن ابنه من أهله على ظاهر القرابة، وهذا لو فعله أحد لكان مأجورا ولم يسأل نوحا تخليص من أيقن أنه ليس من أهله، ونهى أن يكون من الجاهلين، فتندم من ذلك ونزع، وليس هاهنا عند المعصية البتة.
[32524]:ط: توقفي. ق: تلفظ.
[32525]:ما بين القوسين ساقط من ط.