الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ} (40)

قال ابن عباس : كان أول ما حمل نوح في الفلك الذرة ، وآخر ما حمل الحمار . فلما دخل{[32343]} ، وأدخل{[32344]} صدره ، تعلق إبليس بذنبه ، فلم تستقل رجلاه ، فجعل نوح{[32345]} عليه السلام ، يقول : ويحك ! ادخل ، فلا يستطيع الحمار الدخول . فقال : ويحك ! ( ادخل ) وإن كان الشيطان معك . فزل لسانه بالكلمة ، فدخل الحمار ، والشيطان{[32346]} . فقال له : نوح صلى الله عليه وسلم : ما أدخلك{[32347]} علي يا عدو الله ؟ . قال : ألم تقل ادخل ، وإن كان الشيطان معك . قال : اخرج عني يا عدو الله . قال : مالَكَ بُدّ{[32348]} من أن تحملني ، فكان إبليس في ظهر الفلك . فكان بين إرسال الله عز وجل{[32349]} ، الماء ، وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون{[32350]} يوما بلياليها ، ودخل فيها لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر ، فلما دخل{[32351]} من كان معه/ ( انفتحت أبواب السماء بماء منهمر ) ، كما قال الله{[32352]} ، وكانت السفينة مسَمَّرة بدُسُرٍ . والدُّسُر : مسامير الحديد : وقيل : مسامير من عود ، بها يسمر اليوم{[32353]} مراكبهم أهل الحجاز{[32354]} ، وأهل الهند ، وما يلي ذلك . فلما جرت السفينة ، قال نوح لابنه : { اركب معنا ولا تكن مع الكافرين }[ 42 ] وكان قد أضمر الكفر ، وظن أن الجبال تمنع من الماء ، فقال : { سآوي إلى جبل يعصمني من الماء }[ 43 ] أي : يمنعني ، فقال له نوح : { لا عاصم اليوم من أمر الله }[ 43 ] . فعلا الماء على الجبال خمسين ذراعا . فهلك كل ما{[32355]} كان على وجه الأرض من الحيوان والأشجار ، ولم يبق{[32356]} إلا ما في السفينة . وكان بين أن أرسل الله الطوفان ، وبين أن غاض{[32357]} الماء ستة أشهر ، وعشر ليال{[32358]} .

قال عكرمة : ( ركب في السفينة لعشر خَلَون من رجب{[32359]} ، { واستوت على الجودي } لعشر خلون من المحرم . فذلك ستة أشهر ){[32360]} .

ومعنى : { وفار التنور } : قيل : إنه انفجر الماء من وجه الأرض . والتنور : وجه{[32361]} الأرض قاله ابن عباس ، وعكرمة{[32362]} .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو تنوير الصبح ، من قولهم : نور الصبح ينور ، فكأنه قال : حتى جاء أمرنا ، وطلع{[32363]} الفجر{[32364]} .

وقال قتادة : التنور أعلى الأرض ، وأشرافها{[32365]} .

وقال الحسن : التنور هو الذي يخبر فيه ، كان{[32366]} من حجارة لحواء . ثم صار إلى نوح{[32367]} ، فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور ، فاركب أنت وأصحابك{[32368]} .

وقال الشعبي{[32369]} : فار الماء في ناحية الكوفة{[32370]} .

وعن علي{[32371]} رضي الله عنه ، أنه قال : فار التنور من مسجد{[32372]} الكوفة ، وقال زيد بن حبيش : فار التنور من هذه الزاوية{[32373]} ، وأشار إلى زاوية{[32374]} مسجد الكوفة اليمني من القبلة ، التي{[32375]} عن يمين المصلى . وكان زيد{[32376]} يقصد إلى الصلاة في تلك الزاوية من مسجد الكوفة{[32377]} ، وعن الحسن أيضا أن التنور الموضع الذي يجتمع فيه الماء في السفينة . وعن ابن عباس : أن التنور فار بالهند{[32378]} .

ومعنى : { من كل زوجين اثنين }[ 40 ] أي : من كل ذكر ، وأنثى{[32379]} ، والواحد{[32380]} : زوج ، والزوجان ذكر ، وأنثى من كل صنف{[32381]} ، فمعنى من كل زوجين : من كل صنفين{[32382]} . وقيل الزوجان : الضربان الذكور ، والإناث{[32383]} . وقيل : الزوجان : اللونان .

وقوله : { وأهلك إلا من سبق عليه القول }[ 40 ] : أي : واحمل أهلك ، إلا من سبق إهلاكه{[32384]} ، وهو بعض نساء نوح{[32385]} ، كانت من الباقين : من{[32386]} الهالكين .

وقيل : هو ابنه الذي غرق{[32387]} . { ومن آمن } : أي : واحمل من آمن .

قال قتادة : كانوا ثمانية أنفس ، خمسة بنين ، وثلاث{[32388]} نسوة ، فأصاب حام امرأته في السفينة . فدعا عليه{[32389]} نوح أن تغير نطفته{[32390]} . فجاء بالسودان{[32391]} .

وقيل : كانوا عشرة سوى نسائهم : ستة ممن آمن ، وثلاثة{[32392]} بنين ، ونوح{[32393]} .

وعن ابن عباس : أنهم كانوا ثمانين رجلا{[32394]} ، غير النساء من غير أهله{[32395]} وروي أن الله جل ذكره{[32396]} ، كان قد أعقم{[32397]} أرحام النساء ، وأصلاب الرجال ، قبل{[32398]} الغرق بأربعين سنة/ ، فلم يولد فيهم مولود ، ولم يغرق إلا ابن أربعين ، فما فوق ذلك .

قوله : { وأهلك } : وقف{[32399]} عند أبي حاتم{[32400]} ، وليس يوقف عند غيره ، لأن بعده استثناء{[32401]} .

{ ومن{[32402]} آمن } : وقف عند نافع وغيره{[32403]} ، { إلا قليل } : وقف حسن{[32404]} .


[32343]:ط: ادخل.
[32344]:في النسختين معا دخل. والتصويب من الطبري.
[32345]:ط: صم.
[32346]:مثل هذا القول مما يطعن في عصمة الأنبياء، وفي الخبر تداخل بين دعوة بين نوح عليه السلام، الشيطان للدخول وتساؤله عن ذلك.
[32347]:ط: ادخل.
[32348]:ق: بك.
[32349]:ق: أن أرسل الله.
[32350]:ق: أربعين.
[32351]:ق: دخلت.
[32352]:وهي قوله تعالى من سورة القمر 11-12: {وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر}.
[32353]:ط: القوم.
[32354]:ق: المجاز.
[32355]:ق: من.
[32356]:ق: يبقى.
[32357]:ق: أغاض.
[32358]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/314-315-316 وهو من الإسرائيليات.
[32359]:ق: راجب.
[32360]:انظر هذا القول في: الجامع 9/26.
[32361]:ساقطة من ق.
[32362]:وهو أيضا قول الضحاك في جامع البيان 15/318، ولم ينسبه الزجاج في معانيه 3/51.
[32363]:ط: مطموس.
[32364]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/318-319.
[32365]:ط: أشرفها، وانظر هذا القول في: جامع البيان 15/319.
[32366]:ق: فكان.
[32367]:ط: صم.
[32368]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/320.
[32369]:هو عامر بن شراحيل من كبار التابعين فقيه ومحدث (ت 103 هـ) انظر: تذكرة الحفاظ 1/79.
[32370]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/321، وعزاه أيضا في المحرر 9/148 إلى مجاهد.
[32371]:انظر هذا القول في: معاني الزجاج 3/51، والمحرر 9/148.
[32372]:ط: مطموس.
[32373]:ق: المزلية.
[32374]:ساقط من ق.
[32375]:ق: التي.
[32376]:ق: زر.
[32377]:هذا الأثر يتعارض مع ما ورد في الحديث الشريف من النهي عن تخصيص مكان معين للصلاة في المسجد.
[32378]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/321.
[32379]:وهو قول مجاهد في: تفسيره 387، وعزاه في جامع البيان 15/322 إلى الضحاك. ولم ينسبه في غريب القرآن 204.
[32380]:ط: والوحدي.
[32381]:انظر هذا التوجيه في: مجاز القرآن 1/321، ومعاني الفراء 2/58، وعزاه في جامع البيان 15/322 إلى ابن عباس.
[32382]:انظر هذا المعنى في: الجامع 9/25.
[32383]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/323.
[32384]:ق: هلاكه.
[32385]:ط: صم.
[32386]:ط: في.
[32387]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/325.
[32388]:ط: ثلاثة.
[32389]:ساقط من ق.
[32390]:ق: نطفة.
[32391]:وهو قول ابن جريج في: جامع البيان 15/325، وعزاه أيضا في: الجامع 9/25 إلى قتادة، والحكم بن عيينة، ومحمد بن كعب.
[32392]:ق : ثلاث.
[32393]:وهو قول ابن إسحاق في الجامع 9/25.
[32394]:ق: رجالا..
[32395]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/326. وفي تفسير مجاهد 387: (سموا الله حين تركبون وحين تجرون وحين ترسون).
[32396]:ط: عز وجل ذكره.
[32397]:ق: أعلم.
[32398]:ق: قيل.
[32399]:كرر مرتين وهو سهو من الناسخ.
[32400]:انظر هذا الوقف كافيا في: القطع 388 ورجحه الداني في المكتفى 316. وقال أحمد بن موسى هو تام، انظر: القطع 388 والإيضاح 2/712.
[32401]:انظر هذا التوجيه في: القطع 388.
[32402]:ق: من.
[32403]:وهو أيضا قول أحمد بن جعفر وكلاهما اعتبره تاما. انظر: القطع 388 واختيار ابن الأنباري والداني أنه كاف، انظر: الإيضاح 2/712، والمكتفى 316.
[32404]:انظر هذا الوقف تاما: في القطع 388، والمكتفى 316، والمقصد 45.