الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (19)

ثم قال تعالى : { فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا }

قرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية وأبو صالح : ربنا بالرفع " باعد بالفتح وألف على الخبر{[55926]} .

وقرأ يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر : ربنا بالرفع " بعد " بالتشديد وفتح العين والدال{[55927]} وقد رويت عن ابن عباس{[55928]} وهو خبر أيضا .

وقرأ سعيد بن أبي الحسن{[55929]} أخو الحسن : " ربنا " بالنصب " بعد " بضم العين وفتح الدال بين بالرفع{[55930]} .

ورواه الفراء وأبو إسحاق الزجاج بفتح بين{[55931]} وهو خبر أيضا ومعانيها ظاهرة والمعنى على قراءة من جزم الفعل أنهم بطروا{[55932]} وجهلوا قدر النعمة عليهم ، فسألوا أن يجعل بينهم وبين الشام فلوات ومفاوز{[55933]} ليركبوا فيها الرواحل ويتزودوا لها ، فعجل لهم الإجابة كما عجل للقائلين : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الآية{[55934]} فقتلهم يوم بدر ، فكذلك هؤلاء مزقوا بين الشام وسبأ .

قال الشعبي : فلحقت الأنصار بيثرب وغسان بالشام والأزد بعمان وخزاعة بتهامة{[55935]} وفرقوا أيادي سبا{[55936]} وتقطعوا في البلدان بظلمهم لأنفسهم وكفرهم بنعمة الله .

ثم قال : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } أي : فيما تقدم من النعم على هؤلاء والانتقام منهم لما بطروا النعمة وكفروا لدلالات وعظات لكل من صبر على طاعة الله ومحبته وشكر على نعمته .

قال مطرف : نعم العبد الصبار الشكور ، الذي إذا اعطى شكر وإذا ابتلى صبر{[55937]} وصبار شكور بناءان للمبالغة .


[55926]:انظر: إعراب النحاس 3/342 والجامع للقرطبي 14/290 ، 291 والبحر المحيط 7/272،273 ونسب ابن جني هذه القراءة أيضا إلى ابن يعمر وأبي رجاء والحسن بخلاف وسلام يعقوب وابن أبي ليلى والكلبي انظر: المحتسب 2/189
[55927]:انظر: إعراب النحاس 3/342 والجامع للقرطبي 14/291 وقد نسب ابن جني هذه القراءة أيضا إلى ابن الحنفية والكلبي وعمرو بن قائد انظر: المحتسب 2/189
[55928]:انظر: المحتسب 2/189 وإعراب النحاس 3/342 والجامع للقرطبي 14/291 والبحر المحيط 7/272
[55929]:هو سعيد بن أبي الحسن واسمه يسار الأنصاري مولاهم البصري، روى عن علي وابن عباس وأبي هريرة وروى عنه أخوه الحسن وابنه يحيى بن سعيد وسليمان التيمي وقتادة توفي سنة 100 هـ انظر: تهذيب التهذيب 4/16
[55930]:انظر: المحتسب 2/189 وإعراب النحاس 3/342 والجامع للقرطبي 14/291 والبحر المحيط 7/273 وقد نسب ابن جني هذه القراءة أيضا إلى ابن يعمر ومحمد بن السميفع وسفيان بن حسين بخلاف والكلبي بخلاف
[55931]:انظر: معاني الفراء 2/359 ومعاني الزجاج 4/250 وإعراب النحاس 3/342 والجامع للقرطبي 14/291
[55932]:بطروا: من البطر وهو الطغيان في النعمة، وقيل: هو كراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة، انظر: اللسان مادة "بطر" 4/68ـ 69
[55933]:المفاوز جمع مفازة، وهي البرية القفر انظر: اللسان مادة "فوز" 5/393
[55934]:الأنفال: آية 32
[55935]:انظر: جامع البيان 22/86 والجامع للقرطبي 14/291 والدر المنثور 6/694
[55936]:يقال "تفرقوا" أيدي سبا وأيادي سبا وهذا مثل يضرب بهم في الفرقة لأنه لما أذهب الله عنهم جنتهم وغرق مكانهم تبددوا في البلاد، ومزقوا في الأرض كل ممزق وأخذت كل طائفة منهم طريقا على حدة. ومن ثم فهذا المثل يضرب للجماعات التي تفرقت في جهات مختلفة: والعرب لا تهمز سبا في هذا المثل لأنه كثر في كلامهم، فاستثقلوا فيه الهمزة وإن كان في أصله مهموزا انظر: اللسان مادة "سبأ" 1/94
[55937]:انظر: جامع البيان 22/87 وتفسير ابن كثير 3/536 والدر المنثور 6/694