الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

ثم قال تعالى : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } أي : صدق عليهم في ظنه ، وذلك أنه ظن ظنا على غير يقين فكان ظنه كما ظن بكفر بني آدم وطاعتهم له ، منهم أهل الجنتين وغيرهم .

ومن شدد " صدق " {[55938]} ونصب " ظنه " بوقوع صدق عليه لأن ظنه كان غير يقين ، فصدقه بكفلا بني آدم واتباعهم له .

قال الحسن : ما ضربهم بسوط ولا بعصا ، وإنما ظن ظنا فكان كما ظن بوسوسته لهم{[55939]} .

والمعنى : أن إبليس لما أنذره الله قال : لأغوينهم ولأضلنهم ولأحتنكن{[55940]} ذرية آدم ، وذلك ظن منه أنه يكون ، لم يتيقن ذلك فلما وصل من بني آدم إلى ما أراد من إضلالهم صدق ظنه فيهم .

وقرئ صدق بالتخفيف و " إبليس ظنه " بالرفع{[55941]} فيهما على أن الظن بدل الاشتمال من إبليس{[55942]} .

وقوله : { إلا فريقا من المومنين } أي : لم يصدق فيهم ظنه ولا أطاعوه ، وثبتوا على طاعة الله ومعصية إبليس .

قال ابن عباس : هم المؤمنون كلهم{[55943]} .

وقيل : هم بعض المؤمنين لقوله : " إلا فريقا " ولم يقل إلا المؤمنين{[55944]} . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، ولقد اتبعوا إبليس فصدق عليهم ظنه{[55945]} لأنه لم يصدق عليهم ظنه حتى اتبعوه .

ومن خفف صدق ونصب الظن{[55946]} فعلى تقدير حرف الجر ، أي في ظنه{[55947]} .


[55938]:هي قراءة عاصم وحمزة والكسائي انظر: السبعة لابن مجاهد 529 والحجة لأبي زرعة 588 وسراج القارئ 330
[55939]:انظر: الجامع للقرطبي 14/293
[55940]:قال تعالى حاكيا عن إبليس اللعين" {قال أرايتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم لأحتنكن ذريته إلا قليلا} الإسراء: 62 قال الفراء في معنى: {لأحتنكن ذريته}: لأستولين عليهم إلا قليلا يعني المعصومين وقال الأخفش: معناه لأستأصلنهم ولأستميلنهم وقال محمد بن سلام: سألت يونس عن هذه الآية فقال: يقال كان في الأرض كلأ فاحتنكه الجراد أي أتى عليه، واحتنك فلان ما عند فلان أي أخذه كله. انظر: اللسان مادة "حنك" 10/416
[55941]:نسب مكي هذه القراءة إلى غير الكوفيين انظر: الكشف 2/207
[55942]:انظر: البيان لابن الأنباري 2/272
[55943]:انظر: الجامع للقرطبي 14/293
[55944]:المصدر السابق
[55945]:مثبت في طرة أ
[55946]:هي قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وابن كثير وابن عامر ومجاهد انظر: الجامع للقرطبي 14/292
[55947]:المصدر السابق