الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

ثم قال تعالى : { لقد كان لسبإ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال } .

أي : كان لهم في ذلك دلالة وعلامة أنه لا رب لهم إلا الذي أنعم عليهم تلك النعم " وجنتين " بدل من آية {[55868]}

وسبأ فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو اليمن كان له عشرة من الولد ، تيامن {[55869]} منهم ستة : كندة وحمير والأزد والأشعريون ومذحج وأنمار الذين منهم بجيلة وخثعم وتشاءم {[55870]} منهم أربعة : عاملة وجذام ولخم وغسان {[55871]} .

قال قتادة : كانت لهم جنتان بين جبلين وكانت المرأة تخرج بمكتلها {[55872]} على رأسها تمشي بين جبلين فيمتلئ مكتلها وما مست بيدها شيئا فلما طغوا بعث الله عليهم دابة يقال لها حدب فنقبت عليهم يعني السد فغرقتهم فما بقي لهم إلا آثل {[55873]} وشيء قليل من سدر {[55874]} {[55875]} .

وقيل : إن قريتهم كان لا يرى فيها ذبابة ولا بعوض ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، وكان الركب يأتون في ثيابهم القمل والذباب فما هو إلا أن ينظروا إلى بيوتهم فيموت ذلك ، قاله ابن زيد {[55876]} قال : وإن كان الإنسان ليدخل الجنتين فيمسك القفة على رأسه فيخرج حين يخرج وقد امتلأت القفة بأنواع الفاكهة ولم يتناول شيئا بيده {[55877]} .

ثم قال : { كلوا من رزق ربكم واشكروا له } أي : كلوا مما أنعم عليكم به من هاتين الجنتين وغيرهما ، واشكروا نعمه على ذلك .

ثم قال : { بلدة طيبة } أي : هذه بلدة طيبة لا سبخة {[55878]} { ورب غفور } لذنوبكم إن أطعتموه .


[55868]:انظر: إعراب النحاس 3/338، ومشكل الإعراب لمكي 2/585 والبيان لابن الأنباري 2/278 والتبيان للعكبري 2/1066
[55869]:أي أخذوا ناحية اليمن وسكنوا بها. انظر: تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي 9/89
[55870]:أي قصدوا جهة الشام انظر: المصدر السابق
[55871]:أخرجه أبو داود في سننه 3988 والترمذي في سننه: أبواب التفسير تفسير سورة سبأ 3275 وقال: "هذا حديث غريب حسن" وأخرجه الحاكم في مستدركه 2/24 وابن كثير في تفسيره 3/532 وكلهم أخرجوه عن فروة بن مسيك
[55872]:المكتل والمكتلة: الزبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب إلى الجرين وقيل: المكتل شبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا. انظر اللسان مادة "كتل" 11/582 ـ583
[55873]:الأثل: نوع من الطرفاء. والطرفاء نبات ينبت على شكل عصي تتحمض به الإبل إذا لم تجد غيره انظر: اللسان مادة "اثل" 11/10 ومادة "طرف" 9/220
[55874]:السدر: شجر النبق، واحدتها سدرة، وجمعها سدرات وسدرات وسدرات وسدر وسدور الأخيرة نادرة. انظر اللسان مادة "سدر" 4/354
[55875]:انظر: جامع البيان 22/77 والدر المنثور 6/686
[55876]:انظر: جامع البيان 22/77 والجامع للقرطبي 14/284 والدر المنثور 6/687
[55877]:انظر: جامع البيان 22/77 والدر المنثور 6/687
[55878]:السبخة: هي الأرض المالحة، وقيل: هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر انظر: اللسان مادة "سبخ" 3/24