الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

ثم قال تعالى : { فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم } أي : فأعرضت سبأ عن طاعة الله وقبول ما أتاهم به الرسل فأرسلنا عليهم سيل العرم .

قال وهب بن منبه : بعث الله جل جلاله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم فأرسل عليهم سيل العرم{[55879]} .

قال ابن عباس : " العرم " الشديد السيل{[55880]} .

وقال عطاء اسم الوادي{[55881]} .

وروي ذلك عن ابن عباس قال : واد كان باليمن وكان يسيل إلى مكة{[55882]} قال قتادة : ذكر لنا أن العرم وادي بسبأ كانت تجتمع إليه مسايل من الأودية فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالقار والحجارة ، وجعلوا عليه أبوابا وكانوا يأخذون من مائة ما احتاجوا ويسدون ما لا يحتاجون{[55883]} . قال الضحاك : كانت أودية اليمن تسيل كلها إلى واد سبأ وهو العرم فسدوا ما بين الجبلين فحجزوه بالصخر والقار فاستد زمانا من الدهر{[55884]} .

قال قتادة : فأرسل الله عليهم جرذا{[55885]} فهدم عرمهم أي سدهم ومزق الله جناتهم وخرب أرضهم عقوبة لهم{[55886]} .

وقيل : بل كثر الماء عليهم وغلب حتى هدم السد فغرق الجنات وأفسدها .

وعن ابن عباس : أنه إنما حاد السيل الذي كان يسقي جنتيهم عن مجراه فلم يسقها فهلكت .

وروي أن العرم مما بنته بلقيس{[55887]} صاحبة سليمان وذلك أن قومها اقتتلوا على الماء فاعتزلتهم ، فسألوها الرجوع على أن يطيعوها فرجعت وأمرتهم فسدوا ما بين الجبلين فحبست الماء من وراء السد ، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة ضخمة ، وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم ، فإذا أتى المطر احتبس السيل من وراء السد ، فأمرت بالباب الأعلى ففتح فيجري ماؤه في البركة ، ثم كذلك حتى ينتفعوا بجميع الماء{[55888]} .

والعرم بكلام اليمن المسناة{[55889]} .

وقال المبرد : العرم كل ما حاجز بين شيئين{[55890]} .

وروي أن الله جل ذكره أرسل عليهم ماء أحمر فشق السد وهدمه وحفر الوادي ، فارتفعت حفتاه عن الجنتين فغاب عنهما الماء فيبستا ، ولم يكن الماء الأحمر من السد ، إنما كان عذابا أرسله الله عليهم من حيث شاء{[55891]} .

ثم قال تعالى : { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } أي : جعلنا لهم مكان الجنتين اللتين كانتا تثمر عليهم أطيب الفواكه { جنتين ذواتي أكل خمط } .

قال ابن عباس : هو الأراك{[55892]} وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك{[55893]} .

وقال ابن زيد : أبدلوا مكان العنب أراكا ومكان الفاكهة أثلا ، وبقي لهم شيء من سدر قليل{[55894]} فالأثل على هذا ثمر الأراك .

وقال الخليل : الخمط الأراك{[55895]} فهذا يدل على قطافه كأنه قال ثمر أراك ومن نون{[55896]} جعل الثاني بدلا من الأول .

قال المبرد : الخمط كل ما تغير إلى ما لا يشتهي يقال خمط اللبن إذا حمض{[55897]} .

وقال أبو عبيدة : الخمط كل شجرة فيها مرارة ذات شوك{[55898]} .

وقال القتبي : يقال للحامضة خمطة ، وقيل : الخمطة التي قد أخذت شيئا من الريح{[55899]} .

والأثل : الطرفاء قاله ابن عباس{[55900]} .

وقيل : هو شجر يشبه الطرفاء{[55901]} .

وقيل : هو السمر{[55902]} .


[55879]:انظر: جامع البيان 22/78 والكشف والبيان للثعلبي 6/126 وتفسير ابن كثير 3/534 والدر المنثور 6/690 وفتح القدير 4/320
[55880]:انظر: المحرر الوجيز 13/127 والدر المنثور 6/690
[55881]:انظر: الجامع للقرطبي 14/285 والدر المنثور 6/690
[55882]:انظر: جامع البيان 22/79 والمحرر الوجيز 13/127
[55883]:انظر: جامع البيان 22/79 والجامع للقرطبي 14/285 والدر المنثور 6/671
[55884]:انظر: جامع البيان 22/79 والدر المنثور 6/690
[55885]:الجرذ: الذكر من الفأر، وقيل: الذكر الكبير من الفأر وقيل هو أعظم من اليربوع أكدر في ذنبه سواد، والجمع جرذان وجرذان انظر: اللسان مادة "جرذ" 3/480
[55886]:انظر: جامع البيان 22/80
[55887]:هي بلقيس الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر بن سكسك من حمير، يمانية من أهل مأرب، وهي ملكة سبأ التي أشير إليها في القرآن الكريم وهي زوجة سليمان عليه السلام انظر: نهاية الأرب 14/134 والأعلام 2/73
[55888]:انظر: جامع البيان 22/79 والكشف والبيان للثعلبي 6/126 والجامع للقرطبي 14/286
[55889]:هو قول أبي ميسرة في جامع البيان 22/79 وقد أورد السيوطي في المهذب 188 قولا لمجاهد بين فيه أن العرم كلمة حبشية وتعن: المسناة التي يجتمع فيها الماء ثم ينبثق.
[55890]:انظر: إعراب النحاس 3/399 والجامع للقرطبي 14/286 وفتح القدير 4/320
[55891]:انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير تفسير سورة سبأ 6/28 وفيه نسبة هذه الرواية إلى مجاهد.
[55892]:انظر: المصدر السابق وكذلك جامع البيان 22/81 والمحرر الوجيز 13/129 والدر المنثور 6/691 والأراك: هو شجر السواك يستاك بفروعه انظر: مادة "أرك" في اللسان 10/388 والقاموس المحيط 3/292 والتاج 7/99
[55893]:انظر: جامع البيان 22/81 والدر المنثور 6/691ـ692
[55894]:انظر: جامع البيان 22/81
[55895]:انظر: إعراب النحاس 3/339 والجامع للقرطبي 14/286 وفتح القدير 321
[55896]:أجمع القراء على تنوين اللام من "أكل" إلا أبا عمرو انظر: الحجة لابن خالويه 293، والتيسير للداني 180
[55897]:انظر: إعراب النحاس 3/339 والجامع للقرطبي 14/286 وفتح القدير 4/321
[55898]:انظر: مجاز أبي عبيدة 2/146 والجامع للقرطبي 14/286 وفتح القدير 4/321
[55899]:انظر: أدب الكاتب لابن قتيبة: كتاب المعرفة باب معرفة في الشراب 140 والجامع للقرطبي 14/287
[55900]:انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير تفسير سورة سبأ 6/28 وجامع البيان 22/82 والدر المنثور 6/691
[55901]:انظر: اللسان مادة " أثل" 11/10
[55902]:انظر: معاني الفراء 2/359 وإعراب النحاس 3/340 وجامع البيان 22/82 وفتح القدير 4/321 والسمر ضرب من الشجر صغار الورق قصار الشوك له برمة صفراء يأكلها الناس واحدته سمرة، انظر: مادة "سمر" في اللسان 4/379 والقاموس المحيط 2/51