الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَهُۥٓ أُخۡتٞ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٞۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (176)

قوله : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ . . . ) الآية [ 176 ] .

قوله : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ ) أي : كراهة أن تضلوا قاله المبرد( {[14183]} ) .

وقال الكسائي والفراء( {[14184]} ) : المعنى : لئلا تضلوا( {[14185]} ) .

وروى ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ يَدْعُوَنَّ أحدكم على ولده ، أن يوافق من الله إجابة " ( {[14186]} ) المعنى : لئلا يوافق .

وقيل : المعنى : يبين الله لكم الضلالة لتجتنبوه .

ومعنى الآية : أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة ، فنزلت ( يَسْتَفْتُونَكَ . . . ) الآية( {[14187]} ) .

والكلالة من لا ولد له ولا والد من الموتى ، فهو اسم للميت الذي لم يترك ولداً ولا والداً .

وقيل : الكلالة اسم للورثة الذين لا ولد فيهم ولا والد( {[14188]} ) ، وقد مضى ذكر هذا بأشبع من هذا( {[14189]} ) .

وقيل : إنها نزلت في جابر بن عبد الله عاده النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ، قال جابر : فقلت يا رسول الله : كيف أقضي في مالي ؟ وكان له تسع أخوات ولم يكن له ولد ولا والد ، قال : فلم يجبني النبي صلى الله عليه وسلم بشيء حتى نزلت آية الميراث ( يَسْتَفْتُونَكَ ) الآية( {[14190]} ) .

وقال الفراء( {[14191]} ) وأنس : هي آخر آية نزلت من القرآن( {[14192]} ) .

وقال جابر : نزلت في المدينة( {[14193]} ) .

وقيل نزلت في سفر كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم( {[14194]} ) ومعنى حكمها : أن من مات لا ولد له ولا والد ( وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا ) إن مات وليس لها ولد ولا والد ، وللاثنين فأكثر من أخيهما الثلثان .

فإن ترك إخوة ذكوراً وإناثاً ( فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ ) والأخ للأب يقوم مقام الأخ للأب والأم عند عدمه ، وكذلك الأخت .

وقوله : ( فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ) فيه قولان :

قال الأخفش : التقدير : فإن كان من ترك اثنتين ثم ثنى الضمير على معنى من( {[14195]} ) .

وقال المازني : ( {[14196]} ) فائدة الخبر هنا أنه لما قال ( كَانَتَا ) كان يجوز أن يكون الخبر صغيرين ، أو كبيرين ، فلما قال ( اثْنَتَيْنِ ) اشتمل على الصغير والكبير فأفاد ذلك( {[14197]} ) .


[14183]:- انظر: المقتضب 4/31.
[14184]:- انظر: معاني الفراء 1/279.
[14185]:- أن تضلوا في موضع نصب، وقيل: في موضع خفض، وفيها ثلاثة أقوال: (أ) أي: ألاّ تضلوا قاله الفراء، وهو خطأ عند البصريين لأن لا: لا تحدث هاهنا، انظر: معاني الفراء 1/297. (ب) وقيل: كراهة أن تضلوا، ثم حذف، وهو مفعول لأجله قاله المبرد في المقتضب 2/31. (ج) وقيل: إن المعنى يبين الله الضلالة أي: فإذا بيّن لكم الضلالة فاجتنبوها. انظر: إعراب النحاس 1/477.
[14186]:- خرجه أبو داود بلفظ قريب منه في كتاب الصلاة 2/88.
[14187]:- انظر: أسباب النزول: 107، والباب النقول: 85.
[14188]:- وهناك قول ثالث وهو أن الكلالة: المال. انظر: إعراب النحاس 1/477.
[14189]:- يشير مكي إلى ما تقدم في أول سورة النساء.
[14190]:- انظر: جامع البيان 6/41، ولباب النقول: 85. والحديث خرجه البخاري 191 وأطرافه (4301 و5327 و5340 و6344 و6362 و6879) و(مسلم في الفرائض 1616) [المدقق].
[14191]:- كذا ويظهر أن الصواب هو البراء.
[14192]:- خرجه البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية يستفتونك انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير 5/185، وجامع البيان 6/41.
[14193]:- انظر: جامع البيان 6/41.
[14194]:- انظر: المصدر السابق.
[14195]:- انظر: مجالس العلماء: 76.
[14196]:- هو أبو عثمان بكر بن محمد بن عثمان بن حبيب بن مزين بن شيبان توفي: 249، أحد الأئمة في النحو واللغة. انظر: طبقات الزبيدي: 87 وإشارة التعيين: 72.
[14197]:- انظر: جامع البيان 6/46.