الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (6)

قوله : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } الآية [ 7 ] .

والمعنى : ألم ير{[19134]} هؤلاء المكذبون بمحمد ، كم أهلكنا من قبلهم من القرون ، وهي الأمم الخالية{[19135]} ، مُكّنوا في الأرض ما لم يمكن لهؤلاء ، وأرسلت السماء عليهم مدرارا ، وفجرت العيون من تحتهم . ومعنى مدرارا ( أي ){[19136]} ( غزيرا دائمة ){[19137]} ، فأعطت الأرض ثمارها ، فعصوا ، فأهلكوا بعصيانهم{[19138]} . وهذا وعظ وتخويف من الله لمن كذب بمحمد ألا يصيبهم ما{[19139]} أصاب من هو أقوى منهم وأمكن في البلاد منهم وأطغى منهم{[19140]} .

والقرن : ستون عاما{[19141]} . وقيل : سبعون{[19142]} . وقيل : ثمانون{[19143]} . وقيل : مائة{[19144]} . وقيل : القرن كل عالم في عصر ، وهو مأخوذ من الاقتران{[19145]} ، لأن بعضهم مقترن ببعض{[19146]} ، فهذا يدل على أنه العصر{[19147]} .

قوله : { وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } : أي : أحدثنا ، ومعنى الخطاب في الآية في قوله : { لكم } – وقد تقدم ذكر الغيبة{[19148]} في قوله : { ألم يروا } – أن العرب إذا أخبرت خبرا عن غائب – فأدخلت فيه قوما – وجهت الخبر أحيانا إلى الغائب وأحيانا إلى المخاطب ، فيقولون : قلت لعبد الله : ( ما أكرمه ) ، وإن شئت : ( ما أكرمك ) ، وهو مثل : { حتى إذا كنتم في الفلك } الآية{[19149]} .


[19134]:ب: يرواو.
[19135]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/185.
[19136]:ساقطة من ج د.
[19137]:الكلمة الأولى مخرومة الآخر في أ. ب: عزيرا إلا ايمة. وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/186، وفيه: (غزيرة دائمة)، وانظر: غريب ابن قتيبة 150، ومعاني الزجاج 2/229.
[19138]:انظر: تفسير الطبري 11/263.
[19139]:ب ج د: مثل ما.
[19140]:(كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم (التفسير الكبرير 12/158.
[19141]:انظر: المحرر 6/8.
[19142]:انظر: معاني الفراء 1/328، ومعاني الزجاج 2/229، والمحرر 6/8.
[19143]:هو قول الفراء في معانيه 1/328، وانظر: معاني الزجاج 2/229، وغريب ابن قتيبة 150، والمحرر 6/7،8.
[19144]:هو قل الأكثر في المحرر 6/7، الذي ستدل عليه بحديث لرسول الله.
[19145]:ح: الاقران.
[19146]:انظر: معاني الزجاج 2/229، وفيه أنه: (أَهْلُ مُدَّة...قلََّت السِّنون أو كَثُرَت).
[19147]:قال في المحرر 6/8 بعدما حكى أقوالا: (وهذه طبقات وليست بقرون، إنما القرن أن يكون وفاة الأشياخ ثمَّ ولادة الأطفال). وانظر: كذلك التفسير الكبير 12/158. وأحكام القرطبي 6/391.
[19148]:مطموسة في أ. د: العيبة.
[19149]:يونس 22. وانظر: معاني الأخفش 482، وتفسير الطبري 11/263، 264، وإعراب النحاس 1/536.