الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

قوله{[27427]} : { واعلموا أنما غنمتم من شيء }[ 41 ] الآية .

هذه الآية تعليم من الله{[27428]} عز وجل ، للمؤمنين أن كل ما غنموه من غنيمة ، وهو : " الفيء " {[27429]} .

وقيل : " الغنيمة " : ما أُخِذ عنوة ، و " الفيء " : ما أُخذ صلحا{[27430]} .

ف : " الغنيمة " : أربعة أخماسها لمن شهد القتال ، للراجل{[27431]} : سهم ، وللفارس{[27432]} : سهمان{[27433]} .

والصلح{[27434]} على ما صولحوا{[27435]} عليه ، وليس فيه خمس{[27436]} ، إنما هو لمن سمى الله{[27437]} عز وجل ، في قوله : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى }{[27438]} .

وقيل : " الغنيمة " ، و " الفيء " واحد ، فيه الخمس في " الحشر " قاله قتادة{[27439]} .

وقوله : { لله خمسه }[ 41 ] .

مفتاح{[27440]} كلام ، والدنيا والآخرة لله عز وجل/وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقسم " الخمس " على خمسة : فخمس لله وخمس لرسوله هو[ خمس ]{[27441]} واحد{[27442]} .

وقيل : إن خمس لخمس لله وللرسول ، كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقبض في " الخمس " قبضة فيجعله للكعبة ، ثم يقسم باقي الخمس إلى خمسة{[27443]} .

وقال ابن عباس : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ، يأخذ من " الخمس " شيئا ، إنما كان يعطي ذلك لقرابته مع نصيبهم{[27444]} .

وقد أجمعوا على أن " الخمس " لا يقسم على ستة{[27445]} .

ومذهب الشافعي أن يقسم الآن على : خمسة ، فيجعل جزء فيما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ، يجعله ، وذلك أن يجعل تقوية للمسلمين ، وكذا روي أنه كان يفعل ، ويعطي الأربعة الأخماس : الخمس { لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } سهما سهما{[27446]} .

وقال أبو حنيفة : يقسم الخمس على ثلاثة : للفقراء{[27447]} ثلث ، وللمساكين ثلث ، ولابن السبيل ثلث ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : : " لا نورث ما تركنا صدقة " {[27448]} ، فسقط خمس رسول الله{[27449]} صلى الله عليه وسلم وخمس ذوي القربى{[27450]} .

ومذهب مالك رضي الله عنه : أن الإمام يعطي من رأى من هؤلاء المذكورين من هو أحوج ، فإذا جعلت في بعض دون بعض جاز{[27451]} .

ومعنى { ولذي{[27452]} القربى }[ 41 ] .

هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من بني هاشم{[27453]} .

وقال أبو سعيد الخدري عن ابن عباس : إنهم قريش كلهم{[27454]} .

{ واليتامى }[ 41 ] .

أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم{[27455]} .

{ والمساكين }[ 41 ] .

أهل الفاقة{[27456]} .

{ وابن السبيل } [ 41 ] .

المجتاز{[27457]} مسافرا قد انقطع به{[27458]} .

{ إن كنتم آمنتم بالله }[ 41 ] .

أي : صدقتم بتوحيده ، وآمنتم بما أنزلنا على عبدنا{[27459]} .

{ يوم الفرقان }[ 41 ] .

وهو يوم بدر ، فرق فيه بين الحق والباطل{[27460]} .

{ يوم التقى الجمعان }[ 41 ] .

يعني : جمع المسلمين وجمع المشركين{[27461]} ، وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان المشركون ما بين الألف والتسعمئة{[27462]} والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فقتل من المشركين أزيد من سبعين ، وأسر مثل ذلك{[27463]} .

وقال بعض نحويي{[27464]} البصرة قوله : { إن كنتم آمنتم بالله } ، متعلق بقوله : { نعم المولى ونعم النصير }{[27465]} .

وقيل : هو متعلق بما قيل من ذكر الغنيمة وقسمتها ، وجواب الشرط محذوف ، والمعنى : إن كنتم [ آمنتم ]{[27466]} بالله فاقبلوا ما أمرتم به{[27467]} .

{ والله على كل شيء قدير }[ 41 ] .

أي : على إهلاك{[27468]} أهل{[27469]} الكفر ، وغير ذلك مما يشاء قدير{[27470]} .


[27427]:زيادة من "ر" وفي الأصل: حزب.
[27428]:في جامع البيان 13/545: "...وهذا تعليم من الله عز وجل، المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها".
[27429]:في رأي من يرى أن "الفيء" و"الغنيمة" بمعنى واحد، وهو قول قتادة في جامع البيان 13/546، وتفسير الماوردي 2/319، والمحرر الوجيز 2/528، وتفسير القرطبي 8/3.
[27430]:وهو قول سفيان الثوري في جامع البيان 13/545، والمحرر الوجيز 2/528، وتفسير القرطبي 8/3، وزاد نسبته إلى عطاء بن السائب. وعزاه ابن العربي في أحكام القرآن 2/855، إلى الشافعي.
[27431]:في الأصل: للرجال، وهو تحريف، ويطلق "الرجل" على "الراجل"، وهو خلاف الفارس، وجمع الراجل: رجل، مثل: صاحب وصحب، ورجّاله، ورُجال. المصباح / رجل.
[27432]:في الأصل: وللفراس، وهو تحريف، والفرس: يقع على الذكر والأنثى...، وراكبه: فارس، أي: صاحب فرس، وهو مثل لابن وتامر، ويجمع على فوارس، وهو شاذ لا يقاس عليه. المختار/فرس. انظر: المصباح/فرس.
[27433]:وهو ما ذهب إليه عامة أهل العلم: مالك ومن تبعه من أهل المدينة، والأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام، والثوري ومن وافقه من أهل العراق، والليث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد، كما في تفسير القرطبي 8/11، باختصار يسير، ولمزيد بيان انظر: الإشراف 2/939، والكافي 214، ودلائل الأحكام 4/188، وبداية المجتهد 6/62، والقوانين الفقهية 173، وشرح الزرقاني على الموطأ 3/38.
[27434]:كذا في المخطوطتين. وفي جامع البيان 13/546،:"...، عن سفيان الثوري قال: ...و"الفيء": ما صولحوا عليه بغير قتال..." ونص عليه المؤلف في الإيضاح 430.
[27435]:في الأصل: صلحوا، وهو تحريف.
[27436]:وهو قول الجمهور، عدا الشافعي رضي الله عنه، انظر: التمهيد 20/47، وبداية المجتهد 6/36. والقوانين الفقهية 170.
[27437]:هو طرف من قول سفيان الثوري السالف الذكر. انظره بتمامه في جامع البيان 13/545، 546.
[27438]:الحشر آية 7 وتمامها: {فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. انظر: جامع البيان 14/47، وما بعدها، والتمهيد 20/47، وما بعدها، والإشراف 2/339، وأحكام القرآن لابن العربي 4/1759، ودلائل الأحكام 4/206، وما بعدها، وتفسير القرطبي 18/9، وما بعدها، والتسهيل 4/108، والمسوى شرح الموطأ 2/317، 318.
[27439]:جامع البيان 13/546. رجح مكي في الإيضاح 430، إحكام آية الحشر، وهو اختيار الطبري في جامع البيان 13/547، وابن العربي في الناسخ والمنسوخ 2/232، وفي كلامه نفاسة، فتأمله. وابن عطية في المحرر 2/529، وابن كثير في التفسير 2/310، وابن جزي في التسهيل 4/108.
[27440]:انظر: النوادر والزيادات 3/386. قال البغوي في تفسيره 3/357، "ذهب أكثر المفسرين والفقهاء إلى أن قوله: {لله} افتتاح كلام على سبيل التبرك، وليس المراد منه أن سهما في الغنيمة لله مفردا..." وإنما معنى الكلام: فإن للرسول خمسة، كما في جامع البيان 13/548.
[27441]:زيادة من "ر".
[27442]:وهو قول الحسن بن محمد بن الحنفية، وابن عباس، وإبراهيم النخعي، وقتادة، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، كما في جامع البيان 13/548-550، الذي نقل عنه مكي بتصرف انظر: تفسير ابن كثير 2/311.
[27443]:وهو قول أبي العالية الرياحي في جامع البيان 13/550، 551، وتفسير الماوردي 2/319، وتفسير البغوي 3/357، وفيه ترجيح القول الأول، وزاد المسير 3/359، وفيه: "وهذا مما انفرد به أبو العالية فيما يقال"، وتفسير ابن كثير 2/310.
[27444]:جامع البيان 13/551، بتصرف، وهو قول ثالث. والاختيار فيه الأول: "وذلك لإجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمته على ستة أسهم. ولو كان لله فيه سهم، كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوما على ستة أسهم. وفي إجماع من ذكرت، الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا".
[27445]:التمهيد 20/47، والمسوى شرح الموطأ 2/313، بلفظ: "اتفق أهل العلم على أن الغنيمة تخمس". وفي جامع البيان 13/552: "وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك، فلا نعلم قائلا قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية".
[27446]:انظر: أحكام القرآن 1/156، 157، ومعاني القرآن للزجاج 2/414، وهو في تفسير البغوي 3/357، 358، وبداية المجتهد 6/49، وتفسير الرازي 8/170، وهو المرجح فيه، وتفسير القرطبي 8/9، والتسهيل 2/66، وفتح القدير 2/354، بألفاظ مطولة ومختصرة.
[27447]:كذا في المخطوطتين، وهو وهم من أبي محمد مكي، رحمه الله، وفي مصادر التوثيق أسفله، هامش 6: "اليتامى" وهو الصواب الذي يعضده نص التلاوة.
[27448]:متفق عليه. انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/1254، رقم: 7559.
[27449]:في الأصل الرسول الله، وهو خطأ ناسخ وفي "ر" مطموس بفعل الرطوبة والأرضة.
[27450]:معاني القرآن للزجاج 2/415، وتفسير الرازي 8/170، وتفسير القرطبي 8/9، والتسهيل 2/66، وفتح القدير 2/354، بألفاظ مطولة ومختصرة. انظر: أحكام القرآن للجصاص 3/60.
[27451]:معاني القرآن للزجاج 2/415، 416، وفيه احتجاج لمالك بنصوص قرآنية تقوي مذهبه، والمحرر الوجيز 2/529، وبداية المجتهد 6/49، وتفسير الرازي 8/170، وتفسير القرطبي 8/9، وفيه: "وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا"، وتفسير ابن كثير 2/312، وفيه: "وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه الله: وهذا قول مالك، وأكثر السلف وهو أصح الأقوال". والقوانين الفقهية 173، والتسهيل 2/66، وفتح القدير 2/354.
[27452]:في المخطوطتين {ذوي} وهو نص سورة البقرة /176.
[27453]:وهو قول مجاهد، وعلي بن الحسين، وابن عباس، وابن جريج، كما في جامع البيان 13/553-555، الذي نقل عنه مكي. وفي تفسير القرطبي 8/10: "وهو قول مالك، والثوري، والأوزاعي".
[27454]:انظر: جامع البيان 13/555، وتفسير ابن أبي حاتم 1704، وتفسير ابن كثير 2/312، وفيه: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن معنى: "ذوي القربى" قال: فكتب إليه ابن عباس: "قد كنا نقول: إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو القربى". قال ابن كثير المصدر السابق، "وهذا الحديث صحيح رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن: ذوي القربى". وهناك قول ثالث في معنى: "ذوي القربى"، لم يذكره مكي: أنهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب. وبه قال الشافعي كما في جامع البيان 13/556، وهو الاختيار فيه، وزاد القرطبي 8/10، نسبته إلى أحمد، وأبي ثور، ومجاهد، وقتادة، وابن جريج، ومسلم بن خالد. وهو قول جمهور العلماء عند ابن كثير 2/312، انظر: زاد المسير 3/360، والدر المنثور4/68.
[27455]:جامع البيان 13/560. قال ابن كثير 2/313: "واختلف العلماء هل يختص بالأيتام الفقراء، أو يعم الأغنياء والفقراء؟ على قولين".
[27456]:جامع البيان 13/560، وتمامه: والحاجة من المسلمين.
[27457]:في "ر": المتجاوز.
[27458]:جامع البيان 13/560، وفيه: "سفرا" مكان "مسافرا". قال ابن عطية في المحرر 2/531: "...الرجل المجتاز الذي قد احتاج في سفر، وسواء كان غنيا في بلده أو فقيرا، فإنه ابن السبيل، يسمى بذلك إما لأن السبيل تبرزه، فكأنها تلده، وإما لملازمة السبيل كما قالوا: ابن ماء، وأخو سفر..". وقال ابن كثير 2/313: "....هو المسافر أو المريد للسفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة، وليس له ما ينفقه في سفره ذلك...".
[27459]:جامع البيان 13/560، بتصرف في ألفاظه.
[27460]:وهو تفسير ابن عباس، ومجاهد، في جامع البيان 13/561، وفي تفسير ابن كثير 2/313، "قال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس:....، رواه الحاكم. وكذا قال مجاهد ومقسم، وعبيد الله بن عبد الله، والضحاك، وقتادة، ومقاتل بن حيان وغير واحد أنه يوم بدر".
[27461]:وهو تفسير مقاتل بن حيان في تفسير ابن أبي حاتم 5/1707.
[27462]:في الأصل: والتسعة المائة، وفي "ر" والتسع المائة.
[27463]:وهو قول عروة بن الزبير، كما في جامع البيان 13/561، وانظر: فيه أقوالا أخرى، وتفسير ابن كثير 2/313، والدر المنثور 4/72، بتصرف.
[27464]:في الأصل: نحو، وهو تحريف.
[27465]:معاني القرآن للزجاج 2/416، باختصار. قال أبو حيان في البحر 4/495،: "وأبعد من ذهب إلى أن الشرط متعلق معناه بقوله: {نعم المولى ونعم النصير}، والتقدير: فاعلموا أن الله مولاكم". وقال السمين في الدر المصون 3/421،: "وزعم بعضهم أن جواب الشرط متقدم عليه [أي: على الشرط] وهو قوله: {نعم المولى}، وهذا لا يجوز على قواعد البصريين".
[27466]:زيادة لازمة من "ر" ومعاني القرآن للزجاج، الذي نقل عنه مكي.
[27467]:معاني القرآن للزجاج 2/416، وتمام نصه: "في الغنيمة". وفي البحر المحيط 4/495: "وجواب الشرط محذوف، أي: إن كنتم آمنتم بالله، فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، ولا يراد مجرد العلم، بل العلم والعمل بمقتضاه". وهو الوجه الصحيح في المحرر الوجيز 2/531، وقول الجمهور في الدر المصون 3/420. والوجهان في تفسير القرطبي 8/15، وفتح القدير 2/354.
[27468]:في الأصل: على هلاك، وأثبت ما في "ر" وجامع البيان الذي نقل عنه مكي. وفي الصحاح / هلك: وقال أبو عبيد: تميم تقول هلكه يهلكه هلكا، بمعنى أهلكه.
[27469]:لحق في الأصل.
[27470]:جامع البيان 13/560 باختصار.