الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (43)

قوله : { إذ يريكهم الله في منامك قليلا } ، إلى قوله : { ترجع الامور }[ 43 ، 44 ] .

والمعنى : إن الله عز وجل ، يا محمد ، { لسميع } لما يقول أصحابك { عليم } بما يضمرون ، إذ يريك عدوك وعدوهم { في منامك قليلا } ، فتخبر أصحابك بذلك ، فتقوى نفوسهم ، ويجترئون على حرب عدوهم ، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرا ، لفشل أصحابك فجبنوا على قتالهم ، وتنازعوا في ذلك ، { ولكن الله سلم } ، من ذلك بما أراك في منامك من قتلهم { إنه عليم } ، بما تجنّه الصدور{[27503]} .

قال مجاهد : أراهم الله عز وجل نبيه عليه السلام ، في منامه قليلا ، فأخبر أصحابه ، فكان تثبيتا لهم{[27504]} .

وقال الحسن : كان ذلك رؤية حق غير منام{[27505]} .

والمعنى : { إذ يريكهم [ الله ] }{[27506]} بعينك التي تنام بها { قليلا } ، فالمعنى على هذا : في موضع منامك{[27507]} .

وهو عند جميع أهل التفسير رؤيا في النوم كانت{[27508]} ، إلا الحسن . فأما قوله : { وإذ يريكموهم إذ التقيتم } ، فهي رؤية حق لا منام ، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه{[27509]} .

ومعنى{[27510]} : { ولكن الله سلم }[ 43 ] .

أي : سلم للمؤمنين أمرهم حتى أظفرهم{[27511]} .

وقيل المعنى : سلم أمره فيهم{[27512]} .

وقيل : سلم القوم من الفشل بما أرى نبيهم صلى الله عليه وسلم من قلتهم . قاله ابن عباس{[27513]} .

يقال : فشل الرجل ، أي : جبن{[27514]} .


[27503]:جامع البيان 13/569، 570، باختصار يسير. وأجنّ الشيء في صدره: أكنه. المختار/جن.
[27504]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/260، وجامع البيان 13/570، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1709، وتفسير ابن كثير 2/315، وزاد: "وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد"، والدر المنثور 4/74، وفتح القدير 2/358.
[27505]:التفسير 1/403، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1709، وتفسير السمرقندي 2/20، وتفسير الماوردي 2/323، وتفسير البغوي 3/363، والكشاف 2/213، ونص: "وعن الحسن: {في منامك}: في عينك؛ لأنها مكان النوم كما قيل للقطيفة: المنامة؛ لأنه ينام فيها. وهذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن، وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته"، والمحرر الوجيز 2/534، فيه: "وهذا القول ضعيف" وزاد المسير 3/363، وتفسير ابن كثير 2/315، وفيه: "وهذا القول غريب، وقد صرح بـ:"المنام" هاهنا فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه"، وفتح القدير 2/358. وأورده الطبري في جامع البيان 13/570، بلفظ: "وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: "وقال الشيخ محمود شاكر، رحمه الله، في هامش تحقيقه: "هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/247"، وهو كذلك، ولكن تبين لك الآن أن الحسن البصري سبقه إليه.
[27506]:زيادة في "ر".
[27507]:وهو مذهب كثير من النحويين، كما في معاني القرآن للزجاج 2/419، الذي نقل عنه مكي.
[27508]:وهو الظاهر، وعليه الجمهور، كما في تفسير الماوردي 2/323، وقال الثعالبي في تفسيره 2/100: "وتظاهرت الروايات أن هذه الآية نزلت في رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[27509]:في الأصل: وأصحابهم، وهو سبق قلم ناسخ، انظر: معاني القرآن للزجاج 2/419.
[27510]:في الأصل: والمعنى وهو تحريف.
[27511]:وهو تفسير ابن عباس، كما في جامع البيان 13/571، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1709، والدر المنثور 4/74، وفتح القدير 2/358، وجميعها بلفظ: "سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم".
[27512]:وهو قول قتادة كما في تفسير عبد الرزاق الصنعاني: 2/260، وجامع البيان 13/571.
[27513]:جامع البيان 13/571، بتصرف، وهو الاختيار فيه، وأورده القرطبي 8/16، مختصرا، وهو من غير عزو باختصار كذلك، في تفسير الماوردي 2/323، وتفسير البغوي 3/363، وزاد المسير 3/363.
[27514]:في الأصل: جبر، براء مهملة، وهو تحريف سيء، وهو في معاني القرآن للزجاج 2/419، بلفظ: "يقال: فشل فشلا، إذا جبن وهاب أن يتقدم"، وعنه نقل مكي، رحمه الله. وفي المختار/فشل: "الفشِل: الرجل الضعيف الجبان. والجمع: "أفشال"، وقد فشل من باب: طرب، أي: جبن". وفي حديث علي يصف أبا بكر، رضوان الله عليهما: كنت للدين يعسوبا، أولا حين نفر عنه الناس وآخرا حين فشلوا. الفشل: الفزع والجبن والضعف. اللسان /فشل. قال أبو حيان في البحر 4/497، "ولما كان الرسول عليه السلام، محميا من الفشل، معصوما من النقائص، أسند الفشل إلى من يمكن ذلك في حقه، فقال تعالى: {لفشلتم}، وهذا من محاسن القرآن".