الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

ثم قال تعالى : { وعد الله المومنين والمومنات جنات تجري من تحتها الانهار }[ 72 ] .

والمعنى : وعد الله النساء والرجال من المؤمنين بساتين { تجري من تحتها الانهار خالدين فيها } ( أبدا ){[29256]} .

أي : ماكثين لا يزول نعيمهم ولا ينقطع ، { ومساكن طيبة } ، أي : منازل{[29257]} يسكنونها{[29258]} .

قال الحسن : سألت أبا هريرة وعمران بن حصين{[29259]} عن : { ومساكن{[29260]} طيبة في جنات عدن } ، فقالا : على الخبير سقطت ، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " قصر في الجنة من لؤلؤة ، فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء ، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء ، في كل بيت سبعون سريرا " {[29261]} .

ومعنى { جنات عدن } عند ابن عباس ، أي : " معدن الرجل " {[29262]} الذي يكون فيه{[29263]} .

وقيل المعنى : جنات إقامة وخلود{[29264]} .

والعرب تقول : " عدن فلان بموضع كذا " ، إذا أقام به{[29265]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يدخلها إلا النبيون والصديقون والشهداء " {[29266]} .

وقال{[29267]} كعب : { جنات عدن } ، هي الكرم والأعناب ، بالسريانية{[29268]} . يعني أن لغة العرب وافقت السريانية في هذا الكلام .

وقال ابن مسعود : { جنات عدن } ، هي اسم لبُطنان الجنة ، يعني وسطها{[29269]} .

وقال الحسن : هو اسم لقصر في الجنة من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق ، أو شهيد أو حكم{[29270]} عدل{[29271]} .

وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل ، يفتح الذكر لثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى [ منهن ]{[29272]} ، ينظر في الكتاب الذي لا ينظره غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت . ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنات عدن ، وهي داره التي لم يرها{[29273]} غيره ، ولم تخطر على قلب بشر " {[29274]} .

وقال الضحاك : { جنات عدن } ، مدينة في الجنة ، فيها الرسل ، والأنبياء ، والشهداء ، وأئمة الهدى ، والناس حولهم بعد ، والجنات حولها{[29275]} .

وقال عطاء { عدن } : نهر في الجنة جنته على{[29276]} حافتيه{[29277]} .

ثم قال تعالى : { ورضوان من الله أكبر }[ 72 ] .

[ أي : أكبر ]{[29278]} من ذلك كله ، رضوان الله عز وجل ، عن أهل الجنة .

قال أبو سعيد الخدري : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل ، يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى ، لقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك ، فيقول : أحل لكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا " {[29279]} .

ومن أجل تفضيل الرضوان على ما قبله مما وعدوا به ، انقطع الكلام ، وابتدأ بالرضوان ، فرفع{[29280]} .

ثم قال تعالى : { ذلك هو الفوز العظيم }[ 72 ] .

أي : هذه{[29281]} الأشياء التي/وعدوا بها ، هي الظفر الجسيم{[29282]} .

{ جنات عدن } ، وقف{[29283]} .

{ أكبر } ، وقف : {[29284]} .


[29256]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[29257]:في الأصل: منال، وهو سهو ناسخ.
[29258]:جامع البيان 14/348، بتصرف.
[29259]:في الأصل: حصير، براء مهملة، وهو تحريف.
[29260]:في المخطوطتين: مسكن، من غير واو، وأثبت ما في نص التلاوة.
[29261]:التفسير 1/419، وجامع البيان 14/349. وهو ضعيف الإسناد، كما في هامش الشيخ محمود شاكر.
[29262]:في الأصل: الرجال، وهو تحريف.
[29263]:جامع البيان 14/351.
[29264]:وهو تأويل ابن عباس وجماعة معه، كما في جامع البيان 14/351.
[29265]:انظر: مجاز القرآن 1/350، وفيه: "ومنه المعدن" ويقال: "هو في معدن صدق"، أي في أصل ثابت...". وجامع البيان 14/350، وفيه نص أبي عبيدة من غير عزو، وعنه نقل مكي. انظر: الدر المصون 3/484.
[29266]:طرف من حديث أخرجه الطبري في جامع البيان 14/351، بسنده، وهو ضعيف. انظر: هامش الشيخ محمود شاكر.
[29267]:في الأصل: فقال. وفي "ر": طمسته الرطوبة والأرضة. وأثبت ما يتناغم مع السياق.
[29268]:جامع البيان 14/352. قال ابن عطية في المحرر 3/58، "وأظن هذا وهما اختلط بالفردوس".
[29269]:جامع البيان 14/353، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1840، وتفسير البغوي 4/73.
[29270]:الحَكَم بفتحتين: الحاكم. المختار/حكم.
[29271]:التفسير 1/420، وجامع البيان 14/354، وتمامه: "....ورفع به صوته".
[29272]:زيادة من "ر".
[29273]:في "ر": يره، وهو سهو ناسخ.
[29274]:هو تابع لطرف السالف الذي أخرجه الطبري 14/351، وفي إسناده ضعف.
[29275]:جامع البيان 14/355، والبحر المحيط 5/72، وزاد نسبته إلى أبي عبيدة.
[29276]:في الأصل: عافيته، وهو تحريف لا معنى له.
[29277]:جامع البيان 14/355، وتفسير البغوي 4/73، والبحر المحيط 5/72.
[29278]:زيادة من "ر".
[29279]:قال الحافظ ابن كثير في التفسير 2/370، "أخرجاه من حديث مالك": البخاري في التوحيد، والرقائق، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
[29280]:انظر: مزيد بيان في معاني القرآن للفراء 1/446، وجامع البيان 14/357.
[29281]:في الأصل: هذا، وهو سهو ناسخ.
[29282]:جامع البيان 14/357، باختصار. وفي الأصل: الضفر لجسيم، وهو تحريف ناسخ.
[29283]:وهو وقف تام عند يعقوب، كما في القطع والإئتناف 365، وكاف في المكتفى 296، والمقصد 167، ومنار الهدى 167.
[29284]:وهو وقف تام في القطع والإئتناف 365، والمكتفى 296، وكاف في المقصد 167، ومنار الهدى 167.