الآيتان2و3 : وقوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس } { ملك الناس } { إله الناس } ولم يقل أعوذ برب الخلق ، وهذا أعم من الأول ، وإضافة كلية الأشياء إليه ، أو إضافته إلى الكل بالربوبية من باب التعظيم لله تعالى ، فما كان أعم فهو أقرب في التعظيم . فهذا ، والله أعلم ، يخرج على أوجه :
أحدها : أراد التعريف ، وبهذا تقع الكفاية في معرفة من يفزع إليه ممن يملك ذلك ليعوذ منه . لكنه ذكر { برب الفلق } ( الفلق : 1 ) في موضع ، و{ بالله } ( البقرة : 67 ) و { بك } ( المؤمنون : 58 ) في موضع كقوله تعالى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين } ( المؤمنون : 97 ) وقال : { فاستعذ بالله } ( الأعراف200و . . . } ليعلم به من سعة الأمر ، وتحقيق الفزع والرجوع إلى الله تعالى عند نزول ما ينزل بالمرء مما يخاف على نفسه ، ويشغل قلبه ، أن له ذكر ما يحضره من أسماء الله تعالى ، أي اسم كان ؛ إذ ما من اسم إلا وفيه دلالة على نعمه وسلطانه وقدرته وعظمته ، ليكون في ذلك توجيه الشكر{[24247]} إليه ، وإخلاص الحمد له ، بإضافة النعم ( إليه ){[24248]} ، ليكون ذلك من بعض ما به الشفع إلى الله تعالى من ذكر قدرته ، وإحسانه أرفع في ذكر الناس بالإضافة إليه .
والثاني : أن الذين عرف فيهم الأرباب والملوك والعبادات لمن دون الله تعالى ، هم الإنس دون غيرهم ، فأمر أهل الكرامة بمعرفة الله تعالى ، والعصمة عن عبادة غيره ، والاعتراف بالملك والربوبية له ، أن يفزعوا إليه عما ذكر ، ذاكرين لذلك ، واصفين بأنه الرب لهم ، والملك عليهم ، والمستحق للعبادة لا غيره .
أو لما كان للوجوه التي ذكرنا ضل القوم من اتخاذهم أربابا دون الله تعالى أو نزولهم على رأي ملوكهم في الحل والحرمة ، وفي البسط والقبض ، أو عبادتهم غير الله تعالى ، وفزعهم إليه ، فأمر الله تعالى أهل الكرامة بما ذكرت الفزع ( إلى الذي يذكر بهذه الأوصاف على الحقيقة على نحو فزع ){[24249]} الضالين إلى أرٍبابهم وملوكهم والذين ( عبدوهم دونه ){[24250]} ؛ إذ إليه مفزع الكفرة أيضا عند الإياس ممن اتخذوهم دون الله لنصرتهم ومعونتهم ، والله أعلم .
والثالث : أن المقصود من خلق هذا العالم هم الذين نزلت فيهم هذه السورة ، وغيرهم كالمجعول المسخر لهم . قال الله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ( البقرة : 29 ) ، وقال تعالى : { وهو الذي سخر } الآية ( النحل : 14 ) ، وقال الله تعالى : { الذي جعل لكم الأرض فراشا } الآية ( البقرة : 22 ) .
فإذا قيل : { برب الناس } { ملك الناس } فكأنه قيل : برب كل شيء ؛ لأن ما سواهم جعل لهم ، وذكر الخلق والتوجه إليه في الاستعاذة والاستعانة هو اعتراف ألا يملك غيره ذلك ، فاستوى الأمران والله أعلم .
وقيل : في { برب الناس } مصلح الناس ، وذلك يرجع إلى أن به صلاحهم في الدين وفي النفس .
وقيل : { ملك الناس } على الإخبار بأن الملك له فيهم جميعا وفي الخلق مما لم يذكر فيه وجه الملك ، فبين أن ذلك كله في التحقيق لله تعالى وملكه ، ولغيره يكون من جهته على ما أعطى لهم بقدر ما احتاجوا إليه .
وقيل : سيدهم ، لكن لفظة السيد لا تذكر لمالك غير الناس ، ويوصف بالرب والملك والمالك على الإضافة لا مطلقا ، يقال : رب الدار ، ومالك الجارية ، وملك المصر ، ونحو ذلك ، فكأنه أقرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.