( سورة الفلق ، وهي مدنية ){[1]}
الآية1 : قوله تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } قال الفقيه رحمه الله : الأمر بالتعوذ به يحتمل وجوها ثلاثة :
أحدها : على التعليم ، لا لنازلة كانت في ذلك الوقت . لكن لما علم الله تعالى من عظيم شر من ذكر بما يظن بالأغلب أن شر ما ذكر يتصل بالذي ذكر في علم الله تعالى ، فأمرهم بالتعوذ به كما أخبر في أمر الشيطان أنه عدو لهم ، وأنه يراهم من حيث لا يرونه ، ليكونوا أبدا معذبين متيقظين ، أو فزعين إلى الله تعالى معتصمين ، وهذا أحق في التعليم من الذي ذكره في سورة الناس ؛ لأنه أضر من ذلك العدو ؛ لأن ضرره إنما يتصل به بإتيانه ما دعاه الشيطان ، وما يوسوس في صدره الوسواس ، وذلك فعله ، يمكنه الامتناع عنه ، وهذا الضرر يقع بفعل غيره من وجه ، لا يعلم مأتاه ، أعني شر النفاثات ونحو ذلك . فهو أحق في تعليم العباد فيه ، والأمر بالفزع إلى من بلطفه جعل ذلك الفعل ممن ذكرنا معمولا ( فيه ){[24214]} مؤثرا .
والثاني : ما قيل : نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقال له ){[24215]} إن عفريتا من الجن يكيدك ، فتعوذ ب { أعوذ برب الفلق } و { برب الناس } /658 بن شره إذا أويت إلى الفراش .
والثالث : قيل : إن واحدا من اليهود سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل هذا .
قال أبو بكر الأصم : ذكروا في هذه السورة{[24216]}حديثا مما لا يجوز ، فتركته{[24217]} .
قال الفقيه ، رحمه الله : ولكن عندنا في ما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر ، وجهان في إثبات رسالته ونبوته .
أحدهما : بما علمه بالوحي أنه سحر ، وذلك فعل فعلوه سرا ، ولا وقوف لأحد على الغيب إلا بالوحي .
والثاني : بما أبطل عمل السحر بتلاوة القرآن ، فيصير لتلاوته في إبطال عمل السحر ما لعصا موسى عليه السلام ، ( وإن هذا في كونه آية أعظم مما فعل موسى عليه السلام ){[24218]} ؛ لأن ذلك ينوع بنوع ما له الفعل والعمل من حيث الجوهر والطبع من حيث مرأى العين ما به ثعبانا تلقف ما صنعوا .
فأما إبطال السحر وعمله بتلاوة القرآن فلا{[24219]}يكون إلا باللطف من الله تعالى ، والله أعلم .
ثم الأصل في هذا عندنا قد ثبت الأمر ( بالتعوذ بقوله : { قل أعوذ برب الفلق } ، وقد بينا حق الاشتراك في من يتضمن هذا الأمر ){[24220]} إن كان على نازلة في واحد ، أو على ابتداء التعليم ، فهو أمر ، فيه رجاء الفرج والمخرج من الأمور الضارة بما يعتصم فيها بالله تعالى بما عنده من اللطائف .
فجائز تمكينه من أمور ضارة باللطف من حيث لا يعلم البشر ، ولعل الذي يعمل به لا يعلم حقيقة ذلك العمل الذي جعل الله لذلك العمل ( إلا بما ){[24221]} يسبق من وقوع ذلك .
وقد يجوز الأمر ( بأشياء ، والنهي ){[24222]} عنها عن الأفعال لمكان{[24223]} ما يتولد عنها من المنافع والمضار باللطف من حيث الفعل في حقيقة ذلك للخلق ، وإنما ذلك لطف من الله تعالى نحو ما نهى عن أكل أشياء وأمر بها مما بها الاعتداء والقتل من غير أن نعلم حقيقة وصول ذلك إلى ما يعدو أو يقتل ، وأي حكمة من ذلك ومعنى له ، وكذلك الموضوع في المناكح يطلب الولد ، وتسقى الأشجار والزرع بما يحدث الله فيها ، وإن كان وجه العمل بالمأمور به والمنهي عنه وحقيقته لغير الذي له ذلك .
وعلى ذلك الأمر بالاستماع والنظر لما يلقى إليه ، ويراه ، وإن لم تكن حقيقة الإدراك فعله .
وعلى ذلك التقدير جائز أن يكون الله تعالى يجعل النفث بالعزائم أو بأنواع السحر أو بأنواع الرقى أعمالا : المقصود بها من النفع والضر لا تعلم حقيقة الوقوع والمعنى الموضوع فيه له من منه ذلك الفعل ، وهو به مأمور ، وعنه منهي ، بما له من حقيقة الفعل ، وإن لم يكن النافع به في حقيقة فعله .
ثم قوله تعالى : { الفلق } اختلفوا فيه : قال بعضهم : الصبح ، وقيل : كل شيء ينفلق من جميع ما خلق ، نحو الأرحام ، ليتعرف ما فيها ، والحب والنوى والهوام .
فمن ذهب إلى تخصيص الصبح فهو لأنه آخر الليل وأول النهار ، وقد جرى تدبير الله تعالى في إنشاء هذين الوقتين على جميع العالم ، بحيث لا يملك أحد الامتناع عن حكمهما في ما جعل لهما ، وهما النهاية في العلم ، يعلم الله تعالى الغيب إذ جرى من تدبيره في آخر الأوقات في الليل والنهار على حد واحد ، كل عالم بما فيهما من الرحمة للخلق وأنواع المحنة ، ومنّ عليهما بما يأتيان الخلق ، ويذهبان ، فكأنما ذكر جميع الخلق على ما ذكر في تأويل قوله تعالى : { برب الناس } ( الناس : 1 ) ، فيكون فيه ، لو قصد بالذكر ، ما في الكل ، ولا قوة إلا بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.