الآية2 : وقوله تعالى : { الله الصمد } قد ذكر أنه أحد ، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية ، وهو ، والله أعلم ، أنه أخرج جميع من سواه حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة ، وفي الصلاح بعد الكون ، وفي الذي به الدوام بعد الوجود ، والوجود بعد العدم ، ما احتمل الوجود دونه ، ولا البقاء إلا به ، أحاطت الحاجات بكل ليكون له الغنى عن الكل في الوجود والبقاء ليتحقق أنه الموجود بذاته ( والباقي بذاته والمتعالي بذاته ){[24189]} عن معنى وجود غيره ، سبحانه ، وهو ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار ( هوية ألوهيته ){[24190]} في جميع الأنام .
ثم قيل في { الصمد } بوجوه ، ترجع جميع ذلك إلى ما بينا :
أحدها : السيد الذي قد انتهى سؤدده ، ومعنى ذلك المفهوم{[24191]} من السؤدد في صرف الحوائج إليه ، ورجاء كل المحائج إليه .
والثاني : في أن لا جوف له ، وذلك في وصف الوحدانية والتعالي عن معنى أحدية غيره من اجتماع أجزاء ، ممكن بها القرح والثقوب{[24192]} التي لا كالأجواف ، أو على ما فسر قوم بالذي هو ظاهر ( في ){[24193]} ظاهر العبارة مخرج الكتاب ، وهو الذي ذكر على إثره ، وهو قوله تعالى : { لم يلد ولم يولد } ؛ لأن كل ذي الكون ذو جوف ، عنه يتولد الأولاد ، ويكون في ذلك إحالة قول من نسب إليه الولد .
فنقول : كيف يكون له ولد ، وقد تعلمون أنه ليس بذي جوف كما قال : { بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } ( الأنعام : 101 ) في قوم نزهوه عن الصاحبة ، وهم لم يشهدوا الولادة إلا عن ذي جوف ؟ فيكون في هذا نقض قول هذا الفريق فيه بالولادة بما نزهوه عن الجوف ، كما في الأول بما برؤوه عن الصاحبة .
( والثالث : ){[24194]} بما لذي الأجواف من الحاجات ، فيرجع إلى التأويل الأول أن المصمود إليه بالحوائج .
وظن قوم أنه إذا نفي عنه الجوف يثبت أنه مصمت ، وذلك معنى اجتماع أجزاء ، تتداخل ، فتتكاثر كذي الجوف ، هو اجتماع أجزاء ، تتفق .
فإذا تحقق التنزيه عن أحد الوجهين تحقق التنزيه عن الوجه الآخر ؛ ( إذ ){[24195]} في الوجهين نفي الوحدانية وتحقيق ازدواج الأجساد مع ما قد تنفى عن أشياء أمور ، لا تتحقق لها المقابلة كما ينفى عن الأعراض السمع والبصر والعلم لا على إثبات مقابلتها بما علموا أن الأعراض ، لا تحتمل الاعتراضات ، فعلى ذلك العلم بوحدانية الله تعالى والتنزيه عن احتمال الازدواج{[24196]}يحقق القول الذي ذكرت .
وقد قيل في الصمد : إنه الدائم / 657 أ/ ، وذلك أيضا يرجع إلى ما ذكرت أنه لا يحتمل التغير والاستحالة وإصابة أثر الحاجة ، وهو الصمود إليه بالحوائج .
وقد قال قائل في التأويل الأول :
لقد بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو ابن مسعود وبالسيد الصمد{[24197]}
ويقال : صمدت إلى فلان ، أي قصدت إليه ، وهذا يوضح معنى الصمد ، أي يصمد إليه في الحوائج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.