تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

الآية3 : وقوله تعالى : { ومن شر غاسق إذا وقب } اختلف فيه ، قيل : الغاسق هو الليل المظلم ، والغسق الظلمة ، وقيل : سمى الليل غاسقا ؛ لأن الغاسق البارد . وقال الله تعالى : { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا } { إلا حميما وغساقا } ، { جزاء وفاقا } ( النبأ : 24 و 25 و 26 ) ، والليل أبرد من النهار ، لذلك سمي غساقا .

والأصل في هذا أن الذي ذكر لا يكون منه ضرر ، يتعوذ منه . لكنه يرجع إلى من كان في ظلم الليل ، إذ في نور القمر من الذي يأتي منه الضار ؟ ومعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلم الليل ، ومنها في الليالي ما لا يمكن منها{[24227]} إلا بنور القمر .

فأمر التعوذ مما يكون فيها لا أن يكون منها ، وهو كقوله تعالى : { والنهار مبصرا } ( يونس : 67و . . . ) بما يقع به الإبصار ، لا أنه يقع منه ذلك .

وهذا ، والله أعلم ، ليس على تخصيص الليل بذلك ؛ لأنه ليس له فعل الضرر ، لكن قد يعرض به الإمكان / 659 أن الشر لما المعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلم الليل ، ومنها في الليل لا يمكن ( منها ){[24228]} إلا في ضوء القمر .

فأمر التعوذ منه عما يتحقق فيه ، فعلى ذلك يجوز التعوذ من شر النهار على تأويل ما يقع به من التمكن من الشر ، ويوجد فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إذا وقب } اختلفوا في معنى { وقب } قيل : إذا جاء ، وقيل : معناه القمر إذا خسف ، أمر بالاستعاذة من ذلك إذ هو علم من أعلام الساعة ، لهذا قال : { إذا وقب } إذ القمر لا يخسف إلا في الليل .


[24227]:في الأصل وم: لا يمكن
[24228]:ساقطة من الأصل وم