الآيتان 3و4 : وقيل في ذلك : عن الصمد تأويله : { لم يلد ولم يولد } { ولم يكن له كفوا أحد } .
قال الشيخ أبو منصور رضي الله عنه : الأصل أنه ، تعالى ، أعظم القول بالولاد ما عظم بجعل الشركاء ، وذلك أن معنى الولاد أن يكون بجوهر من له ولد ، فيكون بذلك شريكا ، وذلك ينفي التوحيد . فعلى ذلك القول بالولاد . ولذلك أعظم القول به ، وألزم{[24198]}من عرفه بالأدلة القول ببراءته عن الولاد كما يثبت ( نفي ){[24199]} الاشتراك من الوجه الذي بينا ، وقد شهد العالم بكليته بحق الخلقة على الله ، تعالى منشؤه عن الشركاء والأشباه جميعا ، فيبطل القول بالذي ذكرنا مع ما كان جميع الخلائق على الإشارة إلى كل منه يحتمل الازدواج ، ومنه يكون التوالد ، والله متعال عن ذلك .
وبعد ، فإن كلام العالم على الإشارة إلى آحاد متولد عن غير ، أو يتولد منه غيره ، وهما أمران راجعان إلى ما عليه خلق هذا العالم ، وعليه موضوعهم ، وقد ثبت تعاليه عن جميع معاني غيره ؛ إذ كل غير ، له بجميع معانيه حدث بعد أن لم يكن أتى عليه تدبير غيره ، وجرى عليه تقدير سلطان{[24200]} غيره . والله تعالى ، لو كان يتوهم شيء من ذلك فيه ، يسقط له الألوهية ، ويحقق له الحاجة إلى غيره ، ويوجب جري تقدير{[24201]} سلطان غيره عليه ، وهذا يوجب غيرا خارجا ( عن ){[24202]} هذه المعاني حتى تسلم الأدلة له على حد الموضوع ، وتصفو له الشهادة على ما قامت ، وأنطقت بالخلقة ، وبما فيه من الحكمة ، ولا قوة إلا بالله .
وعلى ذلك ختم السورة ( بقوله : { ولم يكن له كفوا أحد }{[24203]} ، أن ليس له أحد كفو ؛ لأنه ( بالخلقة ){[24204]}من ذلك يوجب المماثلة ، وفي المماثلة اشتراك ، وقد ثبت فساد العالم بتوهم الاشتراك في تدبيره ، وقد لزم التعالي عن المعاني التي للازدواج بها يقوم التدبير ، ويجري سلطان التقدير .
وجائز أن يكون مخرج السورة في تحقيق نعت من قد عرفوه بإحدى ( خصلتين :
إحداهما : ){[24205]} بالتلقين لكل عن كل إلى أن ينتهي ذلك إلى علاّم الغيوب ، فسخرهم بذلك ، وأنشأهم على ذلك ، حتى أيقن من جحد ذلك أنه بعد تلقين متوارث{[24206]}ظاهر ، لا يحتمل مثله الخطأ في حق توارث الأمور بما يبطل المعارف كلها ، بأسرها أنشؤوا ، وبها تعاملوا ، وذلك كأول علوم الخلق ، وكالشيء المطبوع الذي لا يستطاع جحده إلا بما به لعلة{[24207]} الطباع المخلوقة على جهة الرياضة وأنواع الحيل .
والثانية{[24208]} : بالتأمل فيها في كل جزء من أجزاء العالم من الأدلة عليه ، والشهادة له ، فبين بالآية أن الذين عرفوه بأحد الوجوه التي ذكرنا نعته بكذا ليقطع به توهم المثل له ، أو العدل في أمر ليعرفوا أن القول بغير خارج عن الوجوه التي ذكرنا ، وأنه يرجع إلى ضرب ( من ){[24209]} التلقين ، ليس له حق الطباع ، ولا حق التلقين الذي له صفة الكفاية{[24210]} والكلية في التلقين ، ولا في حق شهادة الكل بذلك التأمل والتفكر ، فيمتنع عن ذلك ، ويرجع إلى حقيقة ما جرى ( به ){[24211]} النعت دون غيره مما لغوا فيه ، يرجع إلى تلقين من ذكر ، وتلبيس بلا حجة . لذلك لا يضاهي شيئا مما ذكرت مع ما في ذلك جميع ما في غير ذلك إحالة الألوهية من كل الوجوه من شهادة الخلقة والحاجة فيها إلى غيره من الإيجاد والإبقاء ، وهو الأحد بما لا دليل لغيره ؛ بل هو في ذلك إحالة الألوهية من كل الوجوه الثلاثة ، وهو الصمد بمعنى المصمود إليه في الحوائج ، المالك لقضائها ، وهو الذي { لم يلد ولم يولد } ، وهو المتعالي عن احتمال ولاد فيه ومنه لما ذكرت من فساد الألوهية الثابتة بما ذكر من الوجوه .
وقوله تعالى : { ولم يكن له كفوا أحدا } لما في كل أحد سواه الوجوه التي منها يعرف سلطان غيره عليه ، وأنه دليل لمن ذل له كل شيء على السواء ، ولا قوة إلا بالله ، ومنه الاستهداء .
ولما ذكرت سميت هذه السورة سورة الإخلاص ، أنها في إخلاص التوحيد لله ، ونفي الأشباه والشركاء في الإلهية والربوبية ، وأن كل شيء سواه مربوبه ومملوك له ، ولا قوة إلا بالله ، ( والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله أجمعين ){[24212]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.