تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمَّا ٱسۡتَيۡـَٔسُواْ مِنۡهُ خَلَصُواْ نَجِيّٗاۖ قَالَ كَبِيرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَيۡكُم مَّوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِي يُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ يَأۡذَنَ لِيٓ أَبِيٓ أَوۡ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِيۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (80)

وقوله تعالى : ( فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ ) قيل : أيسوا من أن يرد إليهم أخوهم ( خلصوا نجيا ) قيل : خلوا من الناس ، وخلصوا منهم ، يتناجون في ما بينهم في أمر أخيهم أو في الانصراف إلى أبيهم أو في المقام فيه .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ ) قال أهل التأويل : ( كبيرهم ) في العقل ، ليس في السن ، وهو فلان . وقال بعضهم : هو يهوذا ، وقال بعضهم : هو شمعون ، ولكن لا نعلم من كان قائل هذا لهم ؟

ولا نحتاج إلى معرفة ذلك سوى أن فيه : ( قال كبيرهم ) إما أن كبيرهم في العقل وإما[ في الأصل وم : أو ] كبيرهم في السن ( ألم تعلموا أن أباكم ) ألم تعلموا ؟ أو لم تروا ؟ حرفان يستعملان في أحد أمرين : في الأمر : أن اعلموا كذا ، أو في موضع التنبيه والتقرير . وههنا كأنه قال ذلك على التقرير والتنبيه ؛ أي قد علمتم ( أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ) .

هذا يدل أن التأويل في قوله : ( إلا أن يحاط بكم ) هو[ في الأصل وم : هؤلاء ] أن يعمكم أمر ، ويجمعكم ، فتهلكوا[ في الأصل وم : فتهلكون ] فيه جميعا وليس كما قال بعض أهل التأويل : إلا أن يجيء ما يمنعكم عن رده ، إلا أن تغلبوا ، فتعجزوا عن رده لأنه قد جاء ما يمنعهم عن رده .

ثم أبى أكبرهم الرجوع إلى أبيه . دل أن التأويل هو هذا .

ومن يقول : إن التأويل في قوله : ( إلا أن يحاط بكم ) إلا أن يجيء ما يمنعكم عن الرد استدل بقوله : ( ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق )[ الآية : 81 ] فلو كان على ما يعمهم لم يكن ليأمرهم بالرجوع إلى أبيهم . دل أنه ما ذكر .

وأما أهل التأويل الأول [ فهم ][ ساقطة من الأصل وم ] يقولون : إن قوله : ( ارجعوا إلى أبيكم ) ليس على الأمر ، ولكن [ على الخبر ][ ساقطة من الأصل وم ] إذا رجعتم ( إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ) وكذلك يخرج قوله : ( واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) ليس على الأمر ، ولكن [ على الخبر ][ ساقطة من الأصل وم ] لو سألت أهل القرية وأهل العير لأخبروك أنه كما قلنا .

فعلى ذلك قوله : ( ارجعوا ) ليس على الأمر ولكن [ على الخبر ][ ساقطة من الأصل وم ] لو رجعتم إليه فقولوا كذلك .

وقوله تعالى : ( من قبل ما فرطتم ) أي من قبل ما ضيعتم أمر أبيكم في يوسف ، أو ضيعتم [ أمر ][ ساقطة من الأصل وم ] الله ووعده ( في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ) هذا يحتمل وجهين :

يحتمل ( حتى يأذن لي أبي ) بالرجوع إليه إذا ظهر عنده عذرنا وصدقنا في أمر ابنه .

ويحتمل[ في الأصل وم : أو ] : ( حتى يأذن لي أبي ) بالمنازعة في القتال مع الملك حتى أستنقذ أخي ، وأستخلصه منه ( أو يحكم الله لي ) في الرجوع[ أدرج بعدها في الأصل وم : أيضا ] أو في القتال معه ( وهو خير ) : ( أو يحكم الله لي ) بإظهار عذرنا وصدقنا عند أبينا ( وهو خير ) في إظهار العذر لأنه [ إذا حكم بإظهار العذر ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ظهر ذلك في الخلق جميعا .

وكذلك حكم غيره لأن من حكم بحكم يجوز ، فإنما يحكم بحكم ، هو حكم الله ( وهو خير الحاكمين ) .

وكذلك قوله : ( وهو أرحم الراحمين )[ الآيتان : 64 و 92 ] لأن من رحم [ أحدا ][ في الأصل وم : الوقت ] من الخلق فإنما يرحم برحمته ( وهو أرحم الراحمين ) .