تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

الآية 43 : { مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء } قال بعضهم : هذا كله يرجع إلى الطرف والبصر ؛ يقولون : شاخصة أبصارهم { مهطعين } ناظرين إليه إلى الداعي { مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم } لهول ذلك اليوم ، هذا كله ، يصرفونه{[9713]} إلى الأبصار دون الأنفس{[9714]} لأن الإهطاع والإقناع ، هو النظر ، والشخوص والإبصار .

ومنهم من صرف قوله : { تشخص فيه الأبصار } وقوله{[9715]} : { لا يرتد إليهم طرفهم } إلى البصر ، وصرف قوله : { مهطعين مقنعي رؤوسهم } إلى الأنفس ، وهو ما ذكر في موضع آخر : { مهطعين إلى الداع } ( القمر : 8 ) أي مسرعين إليه الإجابة رجاء التخلص والنجاة عما حل بهم بترك الإجابة . والإهطاع : قيل : هو النظر الدائم ، والإقناع هو الرفع رفع الرأس { مهطعين } أي مديمي النظر { مقنعي رؤوسهم } رافعيها . وعلى تأويل بعضهم : مسرعين على ما ذكرنا .

وقال بعضهم : { مقنعي رؤوسهم } أي رافعيها ، ملتزقة إلى أعناقهم .

وقوله تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } يخرج على وجهين :

أحدهما : يقول : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمله الظالمون } وقت خلقه الخلق وإنشائهم عما يكون{[9716]} منهم من الظلم ، أي لا عن غفلة وسهو عن ظلم الظالمين أنشأهم ، وخلقهم ، ولكن على علم بما يكون منهم أنشأهم ، وخلقهم ، لكن أنشأهم على علم منه ذلك عن الحكمة .

والثاني : ما ذكرنا أن تأخيره العذاب عنهم ، ليس لغفلة منه بذلك ، ولكن لما أخذهم بالعذاب وقت صنيعهم زوال المحنة ، لأنه يصير العذاب والثواب مشاهدة .

وقوله تعالى : { وأفئدتهم هواء } خالية لهول ذلك اليوم ، أي خالية عن التدبير ، لأن في الشاهد أن من بلي ببلايا وشدائد يتدبر ، ويتفكر في دفع ذلك . فيخبر أن أفئدتهم هواء يومئذ أي خالية عن التدبير ؛ إذ أفئدتهم ، لا تكون معهم لشدة أهواله .

وقال بعضهم : { وأفئدتهم هواء } أي لا شيء فيها ، ما ينتفعون بها . والهواء هو كل شيء يوصف بالخلاء{[9717]} من كل شيء ، والله أعلم .


[9713]:في الأصل وم: يصرفون.
[9714]:في الأصل وم: النفس.
[9715]:في الأصل وم: و.
[9716]:في الأصل وم: يكونوا.
[9717]:في الأصل وم: بالخلاص.