الآية : 90 وقوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } ، إلى آخر ما ذكر . قال الحسن : قوله : { إن الله يأمر بالعدل } ، في ما بين الناس ، أي : يأمر بالحكم في ما بينهم بالعدل والإحسان ، وما كلفهم بالطاعة له . أو يكون الأمر بالإحسان إلى أنفسهم أو إلى الناس .
وجائز أن يكون الأمر بالعدل في ما بينه وبين الله ، و الإحسان في ما بينه وبين الخلق ؛ أي : يعامل ربه بالعدل ؛ لأن العدل هو وضع الشيء موضعه ، وهو لا يقدر على المجاوزة عن العدل حتى يكون في حد الإحسان في ما بينه وبين ربه ، ويقدر أن يصنع إلى خلقه أكثر مما يصنعون هم إليه ، فيكون محسنا إليهم ، وأما إلى الله فلا يكون محسنا .
( وقوله تعالى ) {[10439]} : { وإيتاء ذي القربى } ، أي : إعطاء ذي القربى الصدقة من غير الزكاة المفروضة ، { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } ، هي المعاصي ، أي : نهى عن المعاصي كلها .
وقال أبو بكر الأصم : { يأمر بالعدل } ، أي : بالحق الذي له عليهم . { والإحسان } ، هو ما تعبدهم من العبادات والطاعات ، جعل سبب عطف بعضهم على بعض { وإيتاء ذي القربى } ، صلة القرابة والأرحام . { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } .
وقال ابن عباس ومقاتل وقتادة وغيرهم : قوله : { يأمر بالعدل } ، بالتوحيد ، { والإحسان } ، أي : أداء الفرائض ، وهو قول ابن عباس وقتادة ، وقال مقاتل : قوله : { والإحسان } ، هو في ما بينهم ؛ يحسن بعضهم إلى بعض . { وإيتاء ذي القربى } ، صلة الأرحام . { وينهى عن الفحشاء } ، أي : الزنى . { والمنكر } ، أي : السكر . { والبغي } ، مظالم الناس .
وقال بعضهم : المنكر : ما لا يعرف في الشرائع والسنن ، ويقال : المنكر : ما أوعد الله عليه النار ، والبغي : الاستطالة والظلم .
ثم تجب ( معرفة ) {[10440]} حقيقة العدل ما ( هو ؟ هو ){[10441]} والله أعلم ، وضع كل شيء موضعه ، ويدخل فيه كل شيء : التوحيد وغيره ؛ تجعل الربوبية والألوهية لله ، لا يشرك{[10442]} فيها غيره ، ولا تُصرف{[10443]} ولا تُضاف{[10444]} . بل تنسب الربوبية والألوهية إلى الله ، والعبودة إلى العباد ، ولا تضاف العبودة إلى الله ، ولا الربوبية و الألوهية إلى العباد . فذلك العدل ووضع كل شيء موضعه : الربوبية في موضعها ، والعبودة في موضعها . هذا ، والله أعلم ، معنى العدل .
وأما الإحسان فهو ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن جبريل سأله عن الإحسان حين سأله عن الإيمان والإسلام ، فقال : ما الإحسان ؟ فقال : أن تعمل لله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ومن يعمل لآخر بحيث يراه ، وينظر إليه ، ( يكن أبدا طالبا ){[10445]} رضاه في ذلك العمل ، وإخلاصه له وطالبا {[10446]} مرضاته فيه ) . ( البخاري : 50 ) .
فهو يحتمل وجوها ثلاثة ؛ أعني : الإحسان :
أحدها : ما ذكر أنه يعمل لله {[10447]} كأنه يراه ، وذلك فيما بينه وبين ربه .
والثاني : في ما بينه وبين الخلق ، وهو أن يحب لهم كما{[10448]} يحب لنفسه في ما أُذن له في ذلك .
أو نقول على الإطلاق : يحب لهم كما يحب لنفسه ، فإن عورض بالقتال والحروب التي بيننا وبين أهل الحرب ، وذلك بالذي لا نحب لأنفسنا ، ونحب لهم ، قيل : في ذلك طلب نجاتهم ، وتخليصهم من الهلاك والعذاب الدائم الأبدي . وذلك مما نحب لأنفسنا ، ونحب لهم ، قيل : في ذلك طلب نجاتهم ، وتخليصهم من الهلاك والعذاب الدائم الأبدي . وذلك مما نحبه نحن لأنفسنا : أن يسعى أحد في نجاة أحدنا من المهلكة .
ألا ترى أنه قال : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الأنبياء : 107 ) ، وليس في الظاهر رحمة ، لكن في الحقيقة رحمة حين{[10449]} يحملهم القتال على الإسلام ، إذا قبل نصب القتال والحروب معهم لم يسلم إلا قليل منهم ؟ فلما نصبت الحروب معهم والقتال دخلوا في الإسلام أفواجا أفواجًا . فصار ذلك في الحقيقة رحمة ، وإن كان في رأي العين الظاهر ليس برحمة .
وكذلك هذه / 291 – ب / المصائب والبلايا التي يحل بالخلق ، هي في الحقيقة نعمة ورحمة . ولذلك عدها ، وسماها بعض الناس لما تعقب من الثواب والنعمة والصبر عليها ، ورأى ذلك منه حقا وعدلا ، ورأى حال الضراء والسراء منه ، فهو يطيب نفسه في جميع الأحوال ، تنصرف به من الشدة والضيق . فإذا رأى نعمة ما تعقَّب عن الخير والنفع في العاقبة . فمن هذه الجهة يجوز أن يقال : ذلك نعمة ورحمة .
وأما في ظاهر الحال فلا ، وذلك أن كل بلاء ينزل بأحد ، فصبر عليه ، كان في ذلك خصال أربع :
إحداها : تكفير ما كان ارتكب من المعاصي . والثانية {[10450]} : معرفة العبودة وملك غيره عليه . والثالثة {[10451]} : ما يعقب من الثواب والنعم ( الدائمة . والرابعة : ){[10452]} معرفة النعم : من الشدة يعرف النعم .
والثالث {[10453]} : الإحسان إلى نفسه ، فهو{[10454]} أن يحفظها عما فيه هلاكها .
وقوله تعالى : { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } ، الفحشاء : ( هي مما ينكر ، ويفحش من الشر ، والمنكر ){[10455]} هو الشيء الغريب ( الذي ) {[10456]} لا يعرف . ألا ترى إلى قول إبراهيم : { إنكم قوم منكرون } ؟ ( الحجر : 62 ) سماهم منكرين لما لا يعرفهم . فالمنكر ما يفعل مما{[10457]} مما هو معروف بالخير والصلاح ( بسبب الزلات ، فيكون ذلك منه ) {[10458]} غريبا ؛ إذ لم ( يعرف بذلك . فذلك منه غريب ){[10459]} .
والفحشاء ما تكون من أهل الفساد والشرور ، وذلك مما ينكر ، ويفحش ذلك منهم ، والبغي : هو الظلم . ويحتمل أن يكون هذا كله والمنكر والفحشاء والبغي ، وكله واحد : الفحشاء : هي المنكر ، والفحشاء : هي البغي ، والمنكر : هو الفحشاء والبغي ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { يعظكم } ، قال بعضهم : أي : ينهاكم عما ذكر كله ، { لعلكم تذكرون } ، وتنهون عنه .
وقال بعضهم : والموعظة ، هي التي تلين القلوب القاسية ، وتصرفها إلى طاعة الله . وقد ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.