تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡكُمۡ كَفِيلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (91)

الآية : 91 وقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } ، يحتمل ( أمره بوفاء ){[10460]} العهود التي يعطي بعضهم لبعض ؛ أمرهم بوفاء ذلك ، ونهاهم عن نقضها ، وألزمهم وفاء عهد الله ، وإن لم يعاهدوا في ذلك . لكنه ذكر وفاء العهد إذا عاهدوا ، ونهى عن النقض ؛ لأن ترك وفاء ما عاهدوا ، ونقض ما أعطوا على ذلك شرطا ، أقبح وأوحش مما لم يعاهدوا . وهو كقوله : { واذكروا نعمة الله عليكم و ميثاقه الذي أوثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا } ( المائدة : 7 ) .

ترك الوفاء ونقضه بعد قولهم : { سمعنا وأطعنا } ، أوحش وأفحش من نقضه ، إذا لم يكن لهم عهد سابق وشرط متقدم .

وهذا ، والله أعلم ، معنى أمره بوفاء العهد إذا عاهدوا ، وإن كان وفاء العهد لازما لهم ، وإن لم يعاهدوا .

إن جعل الله البشر بحيث يقبلون الحكمة والمحنة ، وجعل بنيتهم وخلقتهم بحيث يقدرون على القيام بذلك كقوله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها } ( الآية ) ( الأحزاب : 72 ) ، أي : إني خلقتهم وبنيتهم ، أي : لم يجعل خلقة هذه الأشياء وبنيتها تحتمل ذلك ، { وحملها الإنسان } ، أي : خلقته وبنيته تحتمل ذلك والقيام به{[10461]} .

ويحتمل أن تكون العهود التي أمر بوفائها إذا عاهدوا على الأيمان التي يقسمون بها حين {[10462]} قال : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } ، ذكر الأيمان ، ونهى عن نقضها . ثم لا يحتمل أن يكون النهي عن النقض في الأيمان التي يأثم بها المرء إذا حلف ؛ لأنه نهى عن نقضها ، ولو كان يأثم بعقدها لكان لا ينهى عن نقضها ؛ لأن الأيمان التي يأثم بها المرء إذا حلف ينقضها ، أولا يؤمر بوفائها وحفظها .

ثم ذكر فيه : { بعد توكيدها } ، ولم يبح نقض اليمين ( وإن ){[10463]} لم يؤكدها ، إذا لم يكن في الوفاء بها إثم . لكنه ذكر التوكيد ؛ لأن النقض بعد ذلك أقبح وأفحش من النقض على غير التوكيد ، على ما ذكر من القبح والفحش في بعض العهود بعد ما عاهدوا . وقال بعضهم : { بعد توكيدها } ، هو حلفهم بالله ؛ لأن مشركي العرب كانوا لا يقسمون بالله لما يعظهم من الأمر ، ويجل . وذلك آخر أقسامهم . وكذلك قال بعض أهل التأويل في قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } ( الأنعام : 109 والنحل : 38 ) ، هو قسمهم بالله .

وقوله تعالى : { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } ، قيل : كانوا يحلفون في ما بينهم على جعل الله كفيلا عليهم . وقيل : الكفيل : هو الشهيد الحافظ . وهكذا يؤخذ الكفيل في ما يؤخذ ليحفظ المال والنفس .

وقوله تعالى : { إن الله يعلم ما تفعلون } ، من الوفاء بما عاهدوا ، أوالنقض .


[10460]:في الأصل وم: أمرها بوفائها العهد.
[10461]:في الأصل وم: بها.
[10462]:في الأصل وم: حيث.
[10463]:من م، في الأصل:و.