تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (92)

الآية : 92 وقوله تعالى : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة } ، اختلف في تأويل الآية ( قال بعضهم : الآية ) {[10464]} نزلت في مخالفة أهل الكفر بعضهم بعضا ؛ وهو أن يرث بعضهم بعضا ، وينصر ، ويعين بعضهم بعضا ، ( ويحلفوا على ذلك ويقسموا ){[10465]} فإن هلكوا في ذلك ، أي : في نصر بعضهم بعضا ، ثم إذا رأوا الكثرة والغلبة مع غير الذين حلفوا ، نقضوا ذلك ، ورجعوا إلى الذين معهم الكثرة والغلبة ، فنهوا عن ذلك .

وقال بعضهم : الآية في الذين يكونون بعد رسول الله ، وأصحابه لما علم أنه يكون ( منهم ){[10466]} خوارج وأهل اختلاف في الدين ، فربما كانت الكثرة والغلبة لهم على أهل العدل . فنهى من عاهد أهل العدل ، وبايعهم أن يترك ، لكثرتهم وغلبتهم ، الكون مع أهل العدل وإعانتهم ونقض ما عاهدوا . ولذلك قال : { إنما يبلوكم الله به } ، وقوله{[10467]} هذا يدل أنه في أهل الإسلام .

وقال بعضهم : الآية في أهل النفاق : إنهم كانوا يقسمون { بالله إنهم لمنكم وما هم منكم } الآية ( التوبة : 56 ) ، كانوا يرون من أنفسهم الموافقة لهم والنصر والعون لهم على أعدائهم ، ويحلفون على ذلك . ثم إذا رأوا الكثرة مع الكفرة والغلبة وقلة المؤمنين تحولوا إلى أولئك ، ونقضوا أيمانهم ، وكانوا معهم ، كقوله : { فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم } الآية ( النساء : 141 ) .

ويحتمل قوله : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة } ، أي : لا تكونوا في نقض العهود والمواثيق كالمرأة التي تنقض { غزلها من بعد قوة } .

وجائز أن يكون غير هذا : يقول : ولا تظنوا في الله أن يكون في إنشاء الخلق كالمرأة التي : { نقضت غزلها من بعد قوة } ، فلو لم يكن بعث ، لكان يكون في إنشاء الخلق كالمرأة ، { كالتي نقضت غزلها من بعد قوة } ، وقد عرفتم قبح ذلك . فعلى ذلك إنشاء الخلق إذا لم يكن بعث ، يكون في القبح ما ذكر .

ثم ضرب الله مثل من أعطى العهد والمواثيق ، و وكد الأيمان في ذلك ، ثم نقض ذلك ، بامرأة تغزل ، تنقض ذلك الغزل ، { من بعد قوة أنكاثا } ، يقول ، والله أعلم : كما لم تنتفع هذه المرأة بغزلها إذا نقضته {[10468]} من إبرامها إياه ، كذلك لا ينتفع ، ولا يوثق بمن أعطى العهد ، ثم نقض . يقول : فلا هي تركت الغزل تنتفع به ، ولا هي تركت القطن والكتان كما هو ، فكذلك الذي يعطي العهد ، ثم ينقضه ؛ فلا هو حين أعطاه وفى به ، ولا هو ترك ( العهد ){[10469]} فلم يعطه ، ونحوه .

ثم اختلف في تلك المرأة : قال بعضهم : هي امرأة من قريش حمقاء بمكة ، كانت إذا غزلت نقضته .

وقال بعضهم : هذا على التمثيل : يقول ، والله أعلم : أي : لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم : ما أحمق هذه ! فعلى ذلك من أعطى العهد والميثاق / 292 – أ / ثم نقض ، فهو كذلك .

وقوله تعالى : { تتخذون أيمانكم دخلا بينكم } ، قال أبو بكر الأصم : الداخل الذي لا يصح ، ولا يستقيم ، يقال : هذا مدخول ، أي : غير صحيح . وقال غيره : { دخلا } أي : خديعة ومكرا ، يخدع بعضكم بعضا ، وهو قول أبي عوسجة أيضا .

وقال القتبي : { دخلا بينكم } ، أي : خيانة وَوُغولا ، { بينكم أن تكون أمة } ، أي : فريق ، { هي أربى من أمة } ، فريق .

وقال أبو عوسجة : { أنكاثا } ، هي جمع نِكَثٍ ، والنِّكَثُ من الحبل خيوط ، تُنكث ، ثم تُطرق ، وتصير صوفا ، ثم من بعد ذلك تُفتل . قال : والمِطرق قضيب ، يضرب به الصوف حتى ينفش ، ويلين كما يندف القطن ، يقال : طرقت الصوف ، أطرقه طرقا ، أي : ضربته ، ويقال : نَفَشْتُه ، أنفشه نفشا ، أي : فرقت بينه ، فتفرق ، ومنه قوله : { كالعهن المنفوش } ( القارعة : 5 ) ، ويقال : حبل مثنى إذا كان ذا طاقين ، ومَثلوث ، ومَربوع ، ومَخمُوس ، ومَسدوس ، ومسبوع ومثمون { ومتسوع ) {[10470]} ومعشور .

وقال القتبي : الأنكاث ما نقض من غزل الشعر وغيره ، واحدها : نِكَثُ . يقول : لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود ، ثم تنقضوا ذلك ، وتحنثوا ، فتكونوا كامرأة غزلت ، ونسجت ، ثم نقضت ذلك فجعلته أنكاثا ، والله أعلم .


[10464]:من م، ساقطة من ا؟لأصل.
[10465]:في الأصل وم: ويحلفون على ذلك، ويقسمون.
[10466]:ساقطة من الأصل وم.
[10467]:في الأصل وم: وقال.
[10468]:في الأصل وم: نقضت.
[10469]:ساقطة من الأصل وم.
[10470]:ساقطة من الأصل وم.