تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

الآية60 : وقوله تعالى : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس }الإحاطة بالشيء تكون بالوجوه الثلاثة :

أحدهما : بالغلبة والقدرة والسلطان كقوله : { وظنوا أنهم أحيط بهم }( يونس : 22 ) أي أخذهم الهلاك والغلبة ، وقدر عليهم .

والثاني : الإحاطة العلم به كقوله : { وكان الله بكل شيء محيطا }( النساء : 126 )أي عالما وقوله : { ولا يحيطون بشيء من علمه }( البقرة : 255 )أي لا يعلمون .

والثالث : الإحاطة المعروفة بين الخلق بعضهم بعضا ، فذلك لا يحتمل في الله سبحانه و تعالى فهو على الوجهين الأولين على إحاطة العلم بهم أو القدرة عليهم والغلبة .

ثم قوله : ( { إن ربك أحاط بالناس }اختلف فيه ){[11018]}قال بعضهم : أحاط بأعمالهم : بما لهم وما عليهم وبما لا يصلح ( لهم وما يصلح ){[11019]} وهو ما ذكرنا في قوله : { وربك أعلم بمن في السماوات والأرض }( الإسراء : 55 ) .

وقال بعضهم : إنهم كانوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويريدون إطفاء نوره ، ويمنعونه عن تبليغ الرسالة كقوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا }الآية( الأنفال : 30 )فيقول : { إن ربك أحاط بالناس }أي قد علم بمكرهم بك ، على علم منه بمكرهم بك ، بعث رسولا إليهم ، وكلفك بتبليغ الرسالة إليهم ، لكنه وعد أن يعصمك منهم ، ويمنعك عنهم حتى تبلغ الرسالة بقوله : { والله يعصمك من الناس }( المائدة : 67 )وقوله : { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا }( الجن : 27 ) .

كان الله تعالى يبعث الرسل ، ويكلفهم بتبليغ الرسالة إليهم على علم منه بما يكون من فوقهم من المنع والمكر برسله ، لكنه عصمهم ، ومكن لهم ، حتى بلغوا الرسالة إليهم . فعلى ذلك قوله : { إن ربك أحاط بالناس }بالعلم أو القدرة والغلبة عليهم والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قال عامة أهل التأويل : إن الرؤيا التي أراه إياها لم تكن رؤيا المنام ، ولكن كانت ( رؤيا ){[11020]} يقظة ، ورؤيا غير معاينة بالتي تنام ( العين ){[11021]} لا بالذي ينام ( القلب ){[11022]} منه ( لأنه روي ){[11023]} عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تنام عيناي ، ولا ينام قلبي )( البخاري : 3569 ) فإنه أراه من الرؤيا بالعين التي كانت لا تنام ، لا رؤيا قلب وعلم . قال سعيد ابن المسيب : هي رؤيا منام . وروي{[11024]} لأن نبي الله صلى الله عله وسلم ( رأى قوما على منابر ، فساءه ذلك ، فذكر أنهم كانوا يعطون مالا ) فذلك فتنة لهم .

وقال بعضهم : إنه أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ( كأنه يدخل المسجد آمنا ، فأخبر بذلك أصحابه أنه رأى ذلك . فلما كان عام الحديبية ، وصرف عن البيت ، ارتاب الناس في رأياه ، فذلك فتنة للناس على ما أخبر ) ( عن ابن عباس . ابن جرير الطبري ج15/112 ) لكنه لم يبين له متى يدخل فيه ؟ وقد وعد/304-ب/أنه يدخل فيه آمنا ، وهو ما قال : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق }الآية( الفتح : 27 ) .

( وقوله تعالى ){[11025]} : { إنا جعلنا فتنة للظالمين } والفتنة المحنة الشديدة . فإن كان ذلك في الرؤيا التي رآها في ( الإسراء إلى ){[11026]} بيت المقدس ، وما أخبر من الآيات ، لا يتوهم مثل ذلك بتعليم بشر ولا بسحر ، فذلك الذي أخبرهم أنه رأى فتنة لهم ، ومحنة في التصديق والتكذيب في الخبر الذي أخبر من الآيات ، لا يتوهم مثل ذلك بتعليم بشر . فإن كان على رؤيا منام فتنة لما ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إلا فتنة للناس } أي كانت الشجرة الملعونة التي ذكرت في القرآن أيضا فتنة لهم كقوله : { إنا جعلناها فتنة للظالمين }{ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم }

( الصافات : 63و64 ) .

ووجه فتنتها لهم ما ذكر في القصة أنهم قالوا : إن محمدا يقول : إن في النار شجرة ، والنار من طبعها أن تأكل الشجر{[11027]} ، فكيف يكون في النار الشجرة ، وهي ( لا ){[11028]} تأكلها ؟ ولكن لم يعرفوا أن شجر النار ، يكون من النار ، وشرابهم من النار ، وكذلك طعامهم من النار ، فإذا كان من النار لم يأكلها النار .

ومنهم من قال : الزقوم الزبد والتمر ، فكيف يكون فيها ذلك ؟ فيدعون بذلك الكذب عليه في ما يخبرهم أن في النار شجرة ، فتلك الشجرة ، كانت فتنة لهم ومحنة في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيبه . وسمى ملعونة ؛ قال بعضهم : إن العرب سمت كل ضار مؤذ ملعونا ، فلذلك سميت شجرة الزقوم ملعونة إذ {[11029]} كانت ضارة لأهلها مؤذية .

قال الحسن : سميت ملعونة لما لعن أهلها بها ، فسميت باسم أهلها ، وهو كما سمى النهار مبصرا والنهار لا يُبْصِرُ ، ولكن يُبْصَرُ بِهِ ، فسَمَّى باسمه . فعلى ذلك هذا .

وأصل اللعن الطرد ، فطرد منها كل خير ونفع ، فهي ملعونة ، وهي{[11030]} كقوله : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس }( إبراهيم : 36 ) أضاف الإضلال إلى الأصنام ( التي ){[11031]}لا صنع لها في ذلك ، لكن كثيرا من الناس ضلوا بهن ، فكأنها أضلتهم ، كقوله : { وغرتهم الحياة الدنيا }( الأنعام : 130 ) أي اغتروا بها .

وقوله تعالى : { في القرآن } أي ذكرت في القرآن . وإلا الشجرة لا تكون في القرآن ، وهو ما ذكر من المصائب وغيرها كقوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض }الآية( الحديد : 22 )والمصائب ، لا تكون في الكتاب ، لكن ذكرت فيه { ونخوفهم } بما ذكرنا .

وقوله تعالى : { فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا }هو ما ذكرنا ، لأنهم نظروا إليه بعين الاستحقاق والاستهزاء ، فزادهم ما ذكر . وأما أهل الإسلام فزاد لهم إيمانا وهدى ، لأنهم نظروا إليه بعين التعظيم والتبجيل .


[11018]:في الأصل: اختلف، في م: أحاط.
[11019]:من م، ساقطة من الأصل.
[11020]:من م، ساقطة من الأصل و.م.
[11021]:ساقطة من الأصل و.م.
[11022]:ساقطة من الأصل و م.
[11023]:من م، في الأصل: لا ندري.
[11024]:الواو ساقطة من الأصل.
[11025]:في م، ساقطة من الأصل.
[11026]:في الأصل و.م: سير.
[11027]:في الأصل و.م :الشجرة.
[11028]:ساقطة من الأصل و.م.
[11029]:من م، في الأصل إذا.
[11030]:في الأصل و.م: و.
[11031]:ساقطة من الأصل و.م.