الآية60 : وقوله تعالى : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس }الإحاطة بالشيء تكون بالوجوه الثلاثة :
أحدهما : بالغلبة والقدرة والسلطان كقوله : { وظنوا أنهم أحيط بهم }( يونس : 22 ) أي أخذهم الهلاك والغلبة ، وقدر عليهم .
والثاني : الإحاطة العلم به كقوله : { وكان الله بكل شيء محيطا }( النساء : 126 )أي عالما وقوله : { ولا يحيطون بشيء من علمه }( البقرة : 255 )أي لا يعلمون .
والثالث : الإحاطة المعروفة بين الخلق بعضهم بعضا ، فذلك لا يحتمل في الله سبحانه و تعالى فهو على الوجهين الأولين على إحاطة العلم بهم أو القدرة عليهم والغلبة .
ثم قوله : ( { إن ربك أحاط بالناس }اختلف فيه ){[11018]}قال بعضهم : أحاط بأعمالهم : بما لهم وما عليهم وبما لا يصلح ( لهم وما يصلح ){[11019]} وهو ما ذكرنا في قوله : { وربك أعلم بمن في السماوات والأرض }( الإسراء : 55 ) .
وقال بعضهم : إنهم كانوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويريدون إطفاء نوره ، ويمنعونه عن تبليغ الرسالة كقوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا }الآية( الأنفال : 30 )فيقول : { إن ربك أحاط بالناس }أي قد علم بمكرهم بك ، على علم منه بمكرهم بك ، بعث رسولا إليهم ، وكلفك بتبليغ الرسالة إليهم ، لكنه وعد أن يعصمك منهم ، ويمنعك عنهم حتى تبلغ الرسالة بقوله : { والله يعصمك من الناس }( المائدة : 67 )وقوله : { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا }( الجن : 27 ) .
كان الله تعالى يبعث الرسل ، ويكلفهم بتبليغ الرسالة إليهم على علم منه بما يكون من فوقهم من المنع والمكر برسله ، لكنه عصمهم ، ومكن لهم ، حتى بلغوا الرسالة إليهم . فعلى ذلك قوله : { إن ربك أحاط بالناس }بالعلم أو القدرة والغلبة عليهم والله أعلم .
وقوله تعالى : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قال عامة أهل التأويل : إن الرؤيا التي أراه إياها لم تكن رؤيا المنام ، ولكن كانت ( رؤيا ){[11020]} يقظة ، ورؤيا غير معاينة بالتي تنام ( العين ){[11021]} لا بالذي ينام ( القلب ){[11022]} منه ( لأنه روي ){[11023]} عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تنام عيناي ، ولا ينام قلبي )( البخاري : 3569 ) فإنه أراه من الرؤيا بالعين التي كانت لا تنام ، لا رؤيا قلب وعلم . قال سعيد ابن المسيب : هي رؤيا منام . وروي{[11024]} لأن نبي الله صلى الله عله وسلم ( رأى قوما على منابر ، فساءه ذلك ، فذكر أنهم كانوا يعطون مالا ) فذلك فتنة لهم .
وقال بعضهم : إنه أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ( كأنه يدخل المسجد آمنا ، فأخبر بذلك أصحابه أنه رأى ذلك . فلما كان عام الحديبية ، وصرف عن البيت ، ارتاب الناس في رأياه ، فذلك فتنة للناس على ما أخبر ) ( عن ابن عباس . ابن جرير الطبري ج15/112 ) لكنه لم يبين له متى يدخل فيه ؟ وقد وعد/304-ب/أنه يدخل فيه آمنا ، وهو ما قال : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق }الآية( الفتح : 27 ) .
( وقوله تعالى ){[11025]} : { إنا جعلنا فتنة للظالمين } والفتنة المحنة الشديدة . فإن كان ذلك في الرؤيا التي رآها في ( الإسراء إلى ){[11026]} بيت المقدس ، وما أخبر من الآيات ، لا يتوهم مثل ذلك بتعليم بشر ولا بسحر ، فذلك الذي أخبرهم أنه رأى فتنة لهم ، ومحنة في التصديق والتكذيب في الخبر الذي أخبر من الآيات ، لا يتوهم مثل ذلك بتعليم بشر . فإن كان على رؤيا منام فتنة لما ذكر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إلا فتنة للناس } أي كانت الشجرة الملعونة التي ذكرت في القرآن أيضا فتنة لهم كقوله : { إنا جعلناها فتنة للظالمين }{ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم }
ووجه فتنتها لهم ما ذكر في القصة أنهم قالوا : إن محمدا يقول : إن في النار شجرة ، والنار من طبعها أن تأكل الشجر{[11027]} ، فكيف يكون في النار الشجرة ، وهي ( لا ){[11028]} تأكلها ؟ ولكن لم يعرفوا أن شجر النار ، يكون من النار ، وشرابهم من النار ، وكذلك طعامهم من النار ، فإذا كان من النار لم يأكلها النار .
ومنهم من قال : الزقوم الزبد والتمر ، فكيف يكون فيها ذلك ؟ فيدعون بذلك الكذب عليه في ما يخبرهم أن في النار شجرة ، فتلك الشجرة ، كانت فتنة لهم ومحنة في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيبه . وسمى ملعونة ؛ قال بعضهم : إن العرب سمت كل ضار مؤذ ملعونا ، فلذلك سميت شجرة الزقوم ملعونة إذ {[11029]} كانت ضارة لأهلها مؤذية .
قال الحسن : سميت ملعونة لما لعن أهلها بها ، فسميت باسم أهلها ، وهو كما سمى النهار مبصرا والنهار لا يُبْصِرُ ، ولكن يُبْصَرُ بِهِ ، فسَمَّى باسمه . فعلى ذلك هذا .
وأصل اللعن الطرد ، فطرد منها كل خير ونفع ، فهي ملعونة ، وهي{[11030]} كقوله : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس }( إبراهيم : 36 ) أضاف الإضلال إلى الأصنام ( التي ){[11031]}لا صنع لها في ذلك ، لكن كثيرا من الناس ضلوا بهن ، فكأنها أضلتهم ، كقوله : { وغرتهم الحياة الدنيا }( الأنعام : 130 ) أي اغتروا بها .
وقوله تعالى : { في القرآن } أي ذكرت في القرآن . وإلا الشجرة لا تكون في القرآن ، وهو ما ذكر من المصائب وغيرها كقوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض }الآية( الحديد : 22 )والمصائب ، لا تكون في الكتاب ، لكن ذكرت فيه { ونخوفهم } بما ذكرنا .
وقوله تعالى : { فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا }هو ما ذكرنا ، لأنهم نظروا إليه بعين الاستحقاق والاستهزاء ، فزادهم ما ذكر . وأما أهل الإسلام فزاد لهم إيمانا وهدى ، لأنهم نظروا إليه بعين التعظيم والتبجيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.