تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (46)

الآية 46 وقوله تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا } الآية تخرج على وجوه ثلاثة :

أحدها : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا } ولا تجادلوهم لا بالتي هي أحسن ولا بغيرها( {[15809]} ) ، وهم الذين لا يقبلون الحجة ، ولا يؤمنون إذا لزمتهم الحجة ، وهم أهل عناد ومكابرة . والأولون يقبلون الحجة ، ويؤمنون بها .

والثاني : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } فقوله : { إلا الذين ظلموا منهم } ليس على الثُّنيا من الأول ، ولكن على الابتداء ؛ كأنه قال : إلا الذين ظلموا منهم قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا إلى آخر ما ذكر ، أي قولوا لهم هذا ، ولا تجادلوهم ؛ فإنكم وإن جادلتم إياهم فلا يؤمنون ، وهو كقوله { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني } [ البقرة : 150 ] قوله { إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم } ليس على الثُّنيا من الأول ، ولكن على ابتداء نهي ، أي لا تخشوهم واخشوني ، فعلى ذلك يحتمل الأول مثله .

والثالث : جائز أن يكون قوله : { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } إلى آخر ما ذكر ، هي المجادلة الحسنة التي أمروا بها لأن ذلك مما يقبله العقل والطبع ، وبها جاءت الكتب والرسل ، فلا سبيل إلى رد ذلك .

وقال بعضهم : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } [ أي جادلوا ] الذين يصدقون منهم ، ولا يكتمون بعث محمد وما في كتبهم من الحق . فأما الذين تعلمون أنهم يكتمون ، ولا يصدّقون ، فلا تجادلوهم ، وهو كقوله : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [ النحل : 43 والأنبياء : 7 ] والأول كقوله تعالى : { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } الآية [ آل عمران : 64 ] . والمجادلة الحسنة هي التي جاء بها الكتاب ، ويوجبها العقل . ثم فيه دلالة جواز المناظرة والمجادلة مع الكفرة في الدين . وكذلك في قوله تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 125 ] ليس كما يقول بعض الناس : أي لا تجوز المناظرة معهم ، وذلك لجهلهم بحجج الإسلام وبراهينه ما ينهون عن المجادلة والمناظرة معهم .

وقال بعضهم : من لا عهد معهم فجادلهم بالسيوف ، ومن كان معه عهد وكتاب فجادله( {[15810]} ) بالحجج .

وقال بعضهم : هو منسوخ بقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون } الآية [ التوبة : 29 ] .

ومنهم من يقول : من أدى إليكم الجزية فلا تغلظوا له القول ، وقولوا له( {[15811]} ) قولا حسنا ، ومن لم يؤد فأغلظوا [ له ، وجادلوه بالسيف ] ( {[15812]} ) والله أعلم .


[15809]:في الأصل وم: غيره.
[15810]:في الأصل وم: فجادلهم.
[15811]:في الأصل وم: لهم.
[15812]:في الأصل وم: لهم وجادلهم بالسيف، في م: لهم وجادلهم بالسيوف.