تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

الآية 60 وقوله تعالى : { وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم } من الناس من يجعل الآية صلة قوله : { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } إنهم أمروا بالهجرة من بلدتهم والخروج من مقامهم ليسلم لهم دينهم ، فاشتد ذلك عليهم ، وضاق بذلك ذرعهم لضيق العيش هنالك لما لم يتهيأ لهم ، ولا يتأتى لهم حمل أموالهم والمكاسب التي يتعيشون في بلدهم ، ويكسبون بها .

فأخبر أن له خلائق رزقهم حيثما توجهوا وحيثما كانوا ، لا يحملون معهم من الرزق بل يرزقهم حيثما كانوا . فعلى ذلك هو يرزقكم حيثما كنتم ، حملتم مع أنفسكم شيئا من الأموال والمكاسب أم( {[15845]} ) لم تحملوا . فلا تضيقن صدوركم بترككم الأموال والمكاسب في بلدكم .

وجائز أن يكون لا على الصلة بما تقدم ، ولكن على ابتداء تذكير وتنبيه للبشر لئلا يعلّقوا قلوبهم بأسباب الرزق [ لأن للبشر فضل تعلق القلوب بأسباب المعاش والرزق ، والرزق ليس يتعلق بأسباب ، بل يرزق الله بسبب ]( {[15846]} ) وبغير سبب ؛ إذ قد يرزق ، ويبسط من ليس له من الأسباب شيء نحو ما ذكر من رزق الطير والدواب وغير ذلك من البشر الذين يرزقون بلا أسباب ومكاسب .

ولذلك ذكر ، والله أعلم ، على إثر ذلك : { الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } [ العنكبوت : 62 ] يبسط لمن يشاء ، وإن لم يكن له سبب ، ويقدر على من يشاء ، وإن كان معه سبب لئلا يعلّقوا قلوبهم في الرزق بالأسباب والمكاسب .

وعلى قول المعتزلة : إن الله لا يقدر أن يبسط الرزق لمن يشاء لأنهم لا يجعلون لله في الأسباب والمكاسب صنعا ، وإنما يجعلون منه خلق أصول الأشياء من الإنبات والإخراج من الأرض . فأما غير ذلك فهو كله للخلق على قولهم . فذلك النبات الخارج منها للكل ، ليس بعضهم بذلك أولى من بعض ، فتذهب فائدة ما ذكر من البسط والتوسيع والتقتير على قولهم .

وقوله تعالى : { وهو السميع العليم } على إثر ما ذكر على [ وجهين :

أحدهما ] ( {[15847]} ) : { السميع } المجيب لكل ما يدعون ، ويسألون { العليم } بحوائجهم حيث كانوا .

[ والثاني ]( {[15848]} ) : { السميع } لقولهم : إننا لا نجد ما ننفق ، ونتعيّش { العليم } بما أضمروا ، ونحوه .


[15845]:في الأصل وم: أو.
[15846]:ساقطة من م.
[15847]:في الأصل وم: وجوه أحدها.
[15848]:في الأصل وم: أو.