تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ قَٰنِتُونَ} (26)

الآية 26 وقوله تعالى : { وله من في السماوات والأرض } حرف { من } إنما يتكلم به ، ويعبر عمن له الملك والتدبير والتمييز . وحرف : ما عن ملك الأشياء نفسها . فإذا كان من له الملك في الشيء والتدبير والأمر له ، فالأملاك أحق أن تكون له .

يخبر ، والله أعلم ، عن غناه وسلطانه وقدرته ، أي من له ما ذكر في السماوات والأرض ، لا يحتمل( {[15969]} ) أن يمتحنهم ، ويأمرهم بأنواع العبادة والطاعة لحاجة نفسه أو مصلحة نفسه ؛ إذ هو غني عن ذلك ، ولكنه إنما يمتحنهم( {[15970]} ) ويأمرهم بأنواع العبادة وأنواع المحن لمنافع أنفسهم وحاجاتهم ومصالحهم ، فإذا كان له ما ذكر من الملك لا يحتمل أن يعجزه شيء أيضا .

وقوله تعالى : { كل له قانتون } قال بعضهم : القنوت : القيام ، والقانت : القائم . فإن كان هذا فتأويل { كل له قانتون } أي قائم بتدبيره وأمره في الوجود والعدم والإبداء والإعادة ، وفي كل حال ، إن أوجد وجد . وإن أعدم صار معدوما ، وإن أحياه حيي ، ونحوه في كل حال يقوم بتدبيره وأمره .

وقال بعضهم : { كل له قانتون } أي مطيعون . فإن كان على هذا فهو على طاعة الخلقة له والشهادة لله بالوحدانية والربوبية والتدبير له والعلم في ذلك لأن الله جعل في خلقه كل أحد وكل شيء وفي صورته ما يشهد له بالوحدانية والربوبية ، ويدل على تدبيره وعلمه ، فكل له قانت ومطيع بالخلقة والصفة .

وقال بعضهم : { كل له قانتون } أي خاضعون ، فهو يرجع إلى حال دون حال ، وهو حال الخوف والضرورة ؛ يخضع له كل كافر ومشرك في تلك الحال ، وهو ما أخبر عنهم من الخضوع له إذا ركبوا الفلك حين( {[15971]} ) قال : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } [ العنكبوت : 65 ] وقالوا( {[15972]} ) : { لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } [ الأنعام : 63 ويونس : 22 ] ونحو ذلك من الأحوال التي كانوا يخضعون ، ويطيعون ، والله أعلم .


[15969]:في الأصل وم: يمتحن.
[15970]:في الأصل وم: يمتحن.
[15971]:في الأصل وم: حيث.
[15972]:في الأصل وم: وقولهم.