الآية 28 وقوله تعالى : { ضرب لكم مثلا من أنفسكم } قال بعضهم : ضرب لكم مثلا من مثل خلقكم . يقول ، والله أعلم : يبين لكم مثلا من أنفسكم ما لو تفكرتم ، وتأملتم ، لظهر لكم سفهكم بعبادتكم الأصنام دون الله أو تسويتكم( {[15995]} ) الأصنام بالله . ثم يخرج ضرب المثل بما ذكر على وجوه :
أحدها : قوله( {[15996]} ) : { هل لكم من ما ملكت أيمانكم شركاء في ما رزقكم فأنتم فيه سواء } أي لم تسووا أنتم أنفسكم بالذي ملكت أيمانكم في ما رزقتم حتى تكونوا أنتم وهم سواء في ذلك . فكيف زعمتم أن الله قد سوى نفسه وما ملك من خلقه في ملكه وألوهيته ؟
والثاني : يقول : هل ترضون أن يكون ما ملكت أيمانكم شركاءكم في ما تملكون من الأموال ؟ فإذا لم ترضوا به فكيف زعمتم أن الله يرضى أن يشرك مماليكه في ملكه وسلطانه ؟
[ والثالث ]( {[15997]} ) : يقول : فإن لم ترضوا لأنفسكم إشراك ما ملكت أيمانكم في ملككم ، ولم تسووا مماليككم بأنفسكم في ذلك ، فكيف رضيتم ذلك لله ، وسويتم نفسه ومماليكه ، وعدلتم به دونه ؟ والله أعلم .
وقوله تعالى : { تخافونهم كخيفتكم أنفسكم } أي تخافون مماليككم كما تخافون أحرارا أمثالكم . وقال بعضهم : تخافون لائمتهم كما يخاف الرجل لائمة أبيه وأخيه وأقاربه . وبعضهم يقولون : تخافون عبيدكم أن يرثوكم [ بعد الموت كما تخافون أن يرثكم ]( {[15998]} ) أحرار من أوليائكم . وهو قول مقاتل . لكن الميراث ليس من الآية في شيء والأول أشبه .
وفي قوله تعالى : { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء } دلالة أن العبد لا يكون له حقيقة الملك في الأشياء كالأحرار ، لأنه أخبر أنهم ليسوا هم بسواء في الشرك في ما رزق السادات وملكوا على العلم أنهم يشتركون جميعا في المنافع ؟ دل أنهم يملكون منافع الأشياء ، ويشركون الأحرار فيها ، ولا يملكون حقيقة الإملاك .
وكذلك يدل قوله : { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } الآية [ النحل : 75 ] لما نفى عنه القدرة على شيء ، والله أعلم ، يكون تأويل قوله : { وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } [ النور : 32 ] أي يغنهم الله من فضله بالمنافع لا بحقيقة ملك الأشياء ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { كذلك نفصل الآيات } [ فيه وجهان :
أحدهما ]( {[15999]} ) : أي نبينها { لقوم يعقلون } أي لقوم ينتفعون بعقولهم .
والثاني : قوله : { نفصل الآيات } أي نفرق واحدة بعد واحدة على ما ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع من قوله : { ومن آياته } كذا { ومن آياته } كذا [ الروم : 20-25 ] .
والثاني : التفريق في الذكر : { فصلت آياته } [ فصلت : 3 ] بينت ، وفصلت ؛ فرقت واحدة بعد واحدة .
فإن قال لنا قائل : في هذه الآيات التي ذكرت ما يدل على إيجاب البعث ، قيل : في هذه التي ذكرت دفع الشبهة التي لها أنكروا البعث لنهم رأوا البعث ممتنعا بالشبهة التي اعترضت لهم .
ففي هذه الآيات دفع تلك الشبهة التي رأوا البعث ممتنعا حين( {[16000]} ) أراهم بدء خلقهم وقيام السماء و الأرض بالذي ذكر .
ثم إيجاب البعث يكون بالأخبار الصادقة ، وهي أخبار الرسل الذين( {[16001]} ) ظهر صدقهم ، أو بما ذكرنا أن خلق الخلق بلا عاقبة ، تجعل لهم ، للفناء خاصة خارج عن الحكمة [ لوجوه :
أحدها : ما ذكرنا أن بناء البناء في الشاهد للنقض والإفناء خاصة بلا منفعة تؤمل في العاقبة سفه خارج عن الحكمة ]( {[16002]} ) فعلى ذلك خلق الخلق للفناء خاصة بلا عاقبة ، يكون خارجا عن الحكمة .
والثاني : أنه لو لم يجعل البعث ودارا أخرى ليفرق بين العدو والولي فيها ، وقد سوى بينهما في هذه الدار . وفي الحكمة أن يفرق ، ولا يسوى بينهما . فلو لم تكن دار أخرى ، فيها يفرق لكان ذلك خارجا عن الحكمة .
والثالث : في الحكمة أن يجزى المحسن لإحسانه والمسيء في إساءته ، وقد يكونان في هذه الدنيا ، ويخرجان منها ، لا يصيب المحسن جزاء إحسانه ولا المسيء جزاء إساءته . فلا بد من دار أخرى ليجزى فيها كل بعمله . وفي ما ذكرنا إيجاب البعث ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.