تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } [ يخبر أن من ملك ، وقدر على بدء الخلق ]( {[15973]} ) وإعادته ، لا يحتمل أن يخلقهم ، وينشئهم لحاجة نفسه أو مصلحته لأنه غني بذاته ، أو يمتحنهم لمنفعة نفسه ، أو يأمرهم( {[15974]} ) لذلك . ولكن إنما يبدأ ، ويعيد لحاجة أنفسهم ، أو يخبر أن من قدر على بدء الشيء يملك إعادته .

[ وقوله تعالى ]( {[15975]} ) : { وهو أهون عليه } قال [ بعضهم ]( {[15976]} ) : { وهو أهون عليه } [ أي هو هين عليه ]( {[15977]} ) : ابتداؤه وإعادته كقوله : { وذلك على الله يسير } [ التغابن : 7 ] وقوله : { هو علي هين } [ مريم : 9 و21 ] وتجوز العبارة من فعل نحو ما يقال : الله أكبر ، أي كبير ، وأعظم بمعنى عظيم ، ونحوه كثير . فعلى ذلك قوله : { هو علي هين } أي عليه هين ؛ إذ ليس شيء أصعب على الله من شيء ، أو شيء أهون عليه من شيء ، بل الأشياء كلها بمحل واحد داخل تحت قوله : { كن } [ البقرة : 117و . . ] .

وإنما يقال : أهون وأيسر لمن كان فعله بسبب ، فيهون عليه إذا كثرت الأسباب ، ويصعب عليه ، إذا قلت ، وضعفت .

فأما الله سبحانه وتعالى : فهو( {[15978]} ) الفاعل للأشياء ، وصانعها ، والقادر عليها بسبب وبلا سبب .

فلا جائز أن يقال [ في حقه ]( {[15979]} ) : شيء أهون عليه من شيء . وإنما يجوز ذلك [ في ]( {[15980]} ) من كان فعله لا يكون إلا بسبب .

وقال بعضهم : قوله : { وهو أهون عليه } في عقولكم وتقديركم ، أي إعادة الشيء في عقولكم وتدبيركم أهون من بدئه ، لأن الخلق لا يملكون تصوير ما لم يسبق له المثال والتصور ابتداء .

وقد يكون تصوير الأشياء وتمثيلها إذا سبق لهم مثال رأوه ، وشاهدوه . فثبت أن إعادة الشيء في عقولكم وتدبيركم أهون من ابتدائه . فإذا عاينتم ، وأقررتم أنه قادر على بدئه فهو [ على ]{[15981]} إعادته أملك وأقدر ، ولا قوة إلا بالله .

وقال بعضهم : قوله : { وهو أهون عليه } يعني على ذلك الشيء ، إعادة ذلك الشيء أهون من بدئه ، لأنه في الابتداء ينقله ، ويحوله من حال النطفة إلى حال العلقة إلى حال المضغة ، ثم من حال المضغة إلى حال التصوير والنسمة إلى ما ينتهي إليه حتى يصير خلقا وصورة . فيخبر أن إعادته ليست على التقدير والتحويل من حال إلى حال ولكن كما ذكر : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [ النحل : 77 ] وقوله : { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } [ القمر : 50 ] وقوله : { صيحة واحدة } [ يس : 53 و . . ] [ وقوله ]( {[15982]} ) : { نفخة واحدة } [ الحاقة : 13 ] [ وقوله ]( {[15983]} ) : { دكة واحدة } [ الحاقة : 14 ] وما ذكر . فالإعادة لذلك الشيء أهون على ذلك الشيء من الابتداء .

وقوله تعالى : { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض } أي له الصفات العالية . ثم يخرج على وجوه :

أحدها : أن كل موصوف بالعلو والرفعة من دونه ، فهو الموصوف به في الحقيقة على ما ذكرنا أن كل من حمد دونه ، فذلك الحمد له في الحقيقة ، راجع إليه ذلك كقوله { وله الحمد } الآية [ الروم : 18 و . . ]

والثاني : له الصفة العالية مما تخالف صفات الخلق وشبههم كقوله : { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] لا تشبه صفاته صفات المخلوقين ، ولا اشتبهت صفات الخلق صفاته ، وهو ما قاله بعض أهل التأويل : الذي لا مثل له ، ولا شبه { لا إله إلا هو } [ البقرة : 163 و . . ] واحد { لا شريك له } [ الأنعام : 163 ] .

والثالث : وله الصفات العالية مما لا يضاد [ بعضها ]( {[15984]} ) بعضا : عالم ، لا جهل فيه ، قادر ، لا عجز فيه ، عزيز ، لا ذل فيه . وأمثال ذلك مما لا يدخل في ذلك نقصان أو عيب بوجه من الوجوه ، ليس كالخلق أنهم يوصفون بالعلم بجهة وبشيء وبالجهل بجهة أخرى وبالقدرة بجهة أخرى وبشيء آخر وبالعجز بجهة أخرى وبشيء آخر وبالعز بجهة أخرى وبشيء آخر وبالذل بجهة أخرى وبشيء آخر .

فالله سبحانه وتعالى موصوف بصفات ، لا يضاد بعضها بعضا ، ولا يدخل في ذلك نقصان بجهة من الجهات وفي حال من الأحوال لأنه بذاته موصوف بذلك لا بغيره ولا بسبب .

وأما غيره فإنما يوصفون بذلك بأسباب وبأعيان( {[15985]} ) ، تكون لهم . لذلك كان ما ذكر ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { وهو العزيز الحكيم } الذي لا يلحقه/412-أ/ الذل والضرر بمخالفة خلقه إياه وعصيانهم له ، ليس كملوك الأرض إذا خالفهم( {[15986]} ) أتباعهم وحواشيهم ورعيتهم ، يذلون ، ويلحقهم الضرر بإعراضهم عنهم ، لأن عزهم كان بهم . فبإعراضهم عنهم ومخالفتهم إياهم يذلون .

فأما الله سبحانه [ فهو ]( {[15987]} ) عزيز بذاته ، لا يلحقه الضرر والذل بمخالفة الخلق إياه .

[ ويحتمل ]( {[15988]} ) أن يكون قوله : { العزيز } المنتقم ممن يخالف أمره ، ويعصيه ، أو يشرك غيره في ألوهيته وعبادته( {[15989]} ) و{ الحكيم } هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير .

يخبر ، والله أعلم ، أني ، وإن خلقتهم وأنشأتهم على علم مني أنهم يخالفونني ، ويعصونني ، وأعنتهم بكل أنواع المعونة على علم مني بذلك منهم ، فإن فعله ليس بخارج عن الحكمة كما يكون في الشاهد أن من أعان عدوه بأنواع المعونة ، وهو يعلم أن معونته إياه تزيد له قوة في معاداته ومخالفته فهو( {[15990]} ) موصوف [ بالسفه ، غير موصوف ]( {[15991]} ) بالحكمة لأنه يسعى( {[15992]} ) في إهلاك نفسه ، ويعينه على ذلك بمعونته إياه . ومن سعى في إهلاك نفسه فهو غير حكيم .

فأما الله سبحانه حين( {[15993]} ) خلقهم ، وأنشأهم [ فقد ]( {[15994]} ) أعانهم بكل أنواع المعونة على علم منه بما يكون من الخلاف له والعصيان والعداوة ، ولا قوة إلا بالله .


[15973]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15974]:في الأصل وم: يأمره.
[15975]:ساقطة من الأصل وم.
[15976]:ساقطة من الأصل وم.
[15977]:ساقطة من الأصل وم.
[15978]:الفاء ساقطة من الأصل.
[15979]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15980]:ساقطة من الأصل وم.
[15981]:من م، ساقطة من الأصل.
[15982]:في الأصل وم: و.
[15983]:في الأصل وم: و.
[15984]:ساقطة من الأصل وم.
[15985]:من م، في الأصل: وباعتبار.
[15986]:في الأصل وم: خالفوا.
[15987]:ساقطة من الأصل وم.
[15988]:في الأصل وم: أو.
[15989]:في الأصل وم: وربوبيته.
[15990]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[15991]:من م، ساقطة من الأصل.
[15992]:في الأصل وم: يسبق.
[15993]:في الأصل وم: حيث.
[15994]:ساقطة من الأصل وم.